الملكية الحقيقية ضرب من الوهم
الملكية الحقيقية ضرب من الوهم

الملكية الوهمية: الجيل زد في عالم الإيجارات والاشتراكات

كل ما يحتاج إلى كهرباء أو ماء ليعمل، وتدفع فاتورة لتشغيله... فأنت في الحقيقة لا تملكه.
تاريخ النشر

هناك شيء مهم أود توضيحه عن هذا الموضوع: لا يقتصر الأمر على الجيل زد، وكيف نعيش حياتنا اليوم، والتحديات التي نواجهها ونتخطاها، بل يتعلق الأمر أيضاً بمشاكل المستقبل التي ورثناها، والتي علينا إيجاد حلول لها من أجل الأجيال القادمة.

ثم نأتي لمسألة الملكية، والحقيقة المُرة هي أننا نعيش في زمن باتت فيه الملكية الحقيقية ضرباً من الوهم. قد تظن أنك تملك أشياءك، ولكن هل تملك حقاً السيطرة المطلقة عليها؟

تُحيط بنا عقود الإيجار من كل جانب، فها هي السيارات والمنازل تُؤجر، وخدمات الترفيه والإعلام تُقدم باشتراكات شهرية، حتى الكهرباء والماء، أساسيات الحياة العصرية، تُستهلك مقابل فواتير دورية. أنت تدفع ثمن كل شيء، ولكنك في الحقيقة لا تملك شيئاً. حتى هاتفك الذي تحمله بين يديك، والذي يبدو ملكاً لك، لا يمكنك استخدامه دون دفع فاتورة شهرية، ناهيك عن الرسوم البنكية التي تُخصم من حسابك دورياً.

أجل، للأسف، حتى أموالنا الخاصة باتت تُؤجر!

ولكن ما السبب وراء كل هذا؟ هل هو مجرد وجه آخر من وجوه الرأسمالية المتأخرة، حيث تُصنع الثلاجات وأجهزة الكمبيوتر لتُصبح قديمة في وقت مُحدد، وهو النهج الذي امتد ليطال جوانب أخرى من حياتنا اليومية؟

قد يبدو الأمر مُبالغاً فيه عند عرضه بهذه الطريقة، ولكني أعتقد أن جوهر المشكلة يكمن فينا نحن البشر. فنحن من نختار، ونُصر على اختيار وسائل الراحة قصيرة الأجل والمُجزأة، والتي تُغذي ثقافة الاستهلاك المُفرط وإساءة استخدام الموارد. أما فيما يتعلق بجيل زد، فانظر إلى ميلنا، مُقارنةً بالأجيال الأكبر سناً، لتأجيل الإشباع، وإلى استعدادنا للتخلي عن الأشياء التي يستخدمها الجميع.

لنأخذ خدمات البث المباشر كمثال. هل توجد حقاً خدمة بث مباشر خالية من الإعلانات؟ فكر ملياً، ثم حاول أن تعد البرامج أو العروض التي تُجبرك على الاحتفاظ باشتراكك في خدمة معينة.

مدهشٌ عددهم، أليس كذلك؟

بمجرد أن استوعبت فكرة "نهاية الملكية"، سارعت بإلغاء ثلاثة من اشتراكاتي الستة. الآن، لم يتبقَّ لي سوى اشتراك واحد أدفعه، وآخر تدفعه أختي، واشتراك سنوي بتكلفة زهيدة لا يُمكنني التخلي عنه أبداً.

تماماً كما هو الحال في شقق الإيجار القديمة التي تخضع لقوانين التسعينيات، فإن مغادرتك لها يعني ارتفاع سعرها للقادمين الجدد.

الآن، توقف لحظة وفكر في المبلغ الذي أنفقته على خدمات البث المباشر، ثم قارنه بالمبلغ الذي ستدفعه لشراء جهاز "دي في دي" (DVD) وأقراص الأفلام. أو كما يفعل الكثيرون، ابحث في الإنترنت واحصل على ما تريد مشاهدته، سواءً بتحميله بأمان أو مشاهدته عبر البث المباشر (ولا تنسَ أن يكون لديك برنامج جيد لحظر الإعلانات). وكما ذكرتُ سابقاً، ابحث عن محتوى فريد ومتميز تريد دعمه حقاً، حيث ترى أموالك تُنفق على شيء يستحق ويُرضي ذوقك.

تثير مشكلة غياب الوسائط المادية اعتراضاً مزدوجاً، فإبقاء المُحتوى على الإنترنت وتحت رحمة المُنتجين يصبح أمراً محفوفاً بالمخاطر. أولاً، بإمكان شركات الترفيه والإعلام تغيير المحتوى بسهولة، كما حدث مؤخراً في برنامج تلفزيوني بريطاني، حيث تم تعديل قميص أحد المتسابقين، الذي كان يحمل رسومات بطيخ فلسطيني، إلى قميص أسود عادي.

وثانياً، يصبح من السهل على الشركات إزالة المحتوى تماماً، مما يحرم الفنانين ورسامي الرسوم المتحركة والموسيقيين والممثلين، أصحاب المهن الإبداعية التي لا تقل قيمة عن عملك أو عملي، من مصدر دخل هام لطالما اعتمدوا عليه. فبمجرد عرض عمل فني على شبكة تلفزيونية، وفي كل مرة يشاهد فيها الجمهور نفس الحلقة للمرة الألف، يحصل كل من ساهم في إنتاجها على جزء بسيط من عائدات الإعلانات. وينطبق الشيء نفسه عند شراء الوسائط المادية أو مشاهدة البث التلفزيوني المباشر الذي يحتوي على إعلانات تجارية.

والأخطر من ذلك كله هو سهولة تغيير الأشياء، سواءً كانت سجلات أو حتى التاريخ نفسه. فإذا لم يكن الشيء مادياً، ملموساً، يصبح عرضة للتغيير والتحريف من قبل أي شخص.

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com