من الشارقة إلى العالم: "كريتيكا آريا" تروي قصة انتمائها
كانت الكاتبة "كريتيكا آريا" طوال حياتها تخشى أن يُطرح عليها سؤال "من أين أنت؟". كما تقول المغتربة الهندية التي نشأت في دبي في التسعينيات: "إذا قلتُ إنني من الهند، يرى الناس أنني لا أبدو أو أتصرف مثل الهنود. وإذا قلتُ إنني من دبي، فسيقولون: "لكنك لا تبدين عربية أو من دبي". وُلدت آريا في الشارقة عام 1991، وعاشت أزمة هوية باعتبارها طفلة نشأت في ثقافة ثالثة لسنوات، مما دفعها إلى كتابة سيرة ذاتية بعنوان "Citizen by Descent" بمعنى "مواطنة بالوراثة"، وتم نشرها في عام 2023.
ولدت آريا في الإمارات العربية المتحدة، وتلقت تعليمها في المملكة المتحدة، وتعيش الآن في الهند، ويتكون كتابها من مجموعة من المقالات الشخصية التي تستكشف موضوعات مثل الوطن والانتماء والهوية والصحة النفسية والتحديات العاطفية لحياة الأفراد الذين ينشؤون بثقافة ثالثة. ويتناول كل فصل جزءاً معيناً من الوطن، يمثله مجموعة من الفنانين العالميين.
تقول آريا: "تجمع الإمارات العربية المتحدة بين العديد من الثقافات المختلفة، وبها تعرفت على العادات والأطعمة والأديان والاحتفالات المختلفة من جميع أنحاء العالم. أنا ممتنة لنشأتي في الإمارات التي صقلت معرفتي بالعالم. ولكن الأمر كان مربكاً أيضاً. لقد ولدت في الشارقة ونشأت في دبي، ومع ذلك كان لدي جواز سفر هندي، وعنوان دائم في الهند، وهو مكان لم أزره إلا لبضعة أشهر في السنة".
في عام 1977، انتقل والد آريا إلى دبي من جايبور، الهند. تزوج والداها في عام 1983 وبعد ما يقرب من عقد من الزمان وُلدت آريا بعد اثنين من أشقائها. ومنذ مرحلة الروضة وحتى الثانوية العامة، درست في مدرسة جواهر دبي الخاصة في عود ميثاء.
وتكشف المؤلفة أنها عاشت على مر السنين بمشاعر مختلطة بين الشعور بالغربة، حيث كانت تعيش بتأشيرة إقامة، وعدم كونها مواطنة في أي مكان. واشتد هذا الشعور بعدم الانتماء عندما انتقلت إلى المملكة المتحدة للدراسة الجامعية في سن التاسعة عشرة، ثم عادت إلى الهند للعمل، ثم عاشت في النهاية مع والديها المتقاعدين. وعلى مدى عقد من الزمان، عاشت في ثمانية منازل في ثلاث دول، مما جعلها تفتقد الشعور بالانتماء في أي مكان."
خطرت لآريا فكرة كتابة كتاب "Citizen by Descent" خلال جلسة علاجية نصف شهرية في وقت جائحة كوفيد في يونيو 2020. تقول آريا: "كان عقلي بمثابة فقاعة سامة في ذلك الوقت. كان كل العالم مغلقاً وكنت أعاني من أفكاري وعواطفي. لم يكن لدي أهداف محددة. كل ما أردت فعله هو كتابة شيء ما لنفسي". وهذا بالضبط هو ما فعلته من خلال كتابة مقال بعنوان "Bubbling"، وهو تأمل ذاتي في الجوانب السلبية في حياتها. أعجبت شقيقتها الكبرى، "ريتو" بالمقال واقترحت عليها أن تقوم بتطوير مقال مصوّر بالتعاون مع صديقهما مهند سليم. تقول آريا: "كان من المفترض أن يكون مشروع الجائحة الصغير عبارة عن مقال ومجلة ذاتية، لكن الأمر لم ينتهي عند هذا الحد".
قادت كتابة مقال واحد إلى كتابة آخر، وفي غضون ثلاث سنوات، كتبت آريا سيرة ذاتية مصوّرة بالتعاون مع 12 فناناً. يحتوي الكتاب على عشر مقالات رئيسية حول جزء معين من "المنزل" الذي عاشت فيه في إحدى الدول الثلاث. كما يتناول كل فصل صحتها النفسية في تلك المرحلة من حياتها. الفصل الأول، بعنوان "المنزل"، تدور أحداثه في دبي عندما كانت في السادسة أو السابعة من عمرها. المكان هو الفيلا التي عاشت فيها في السطوة. تكتب عن عائلتها، والوقت الذي توقف فيه زملاؤها في الفصل عن التحدث معها، عندما ضلّت طريقها في متجر أثاث في الشارقة، وحادثة كيف كاد رأسها أن يعلق في درابزين الدرج. تكشف روايات طفولتها، بكل مرارتها وحلاوتها، عن أفكارها حول عائلتها المترابطة، وقلقها من العالم الخارجي، وأكبر مخاوفها من فقدان والديها.
في مقال آخر بعنوان "راني من دبي"، تعبّر آريا عن قلقها من عدم اندماجها كطفلة من ثقافة ثالثة. تكتب: "في أعماقي، كنت أشعر بالخجل من أي نسخة مني. لست هندية بما يكفي، ولا عربية بما يكفي، ولا من دبي بما يكفي. كنت أشعر بالخجل من هذا المزيج من الثقافات. لم أكن أفهم تماماً كيف أستفيد منه في ذلك الوقت... كنت شيئاً آخر، كنت أبدو مختلفة. كنت أتصرف بشكل مختلف. كنت غريبة. لم أكن أنتمي إلى قالب معين، وهو أمر يصعب على الناس فهمه وهم يحاولون إصدار أحكام سريعة".
تقول المؤلفة: "من أنا؟ إنه سؤال يطرحه الجميع على أنفسهم في كثير من الأحيان. بالنسبة لطفل من ثقافة ثالثة، فإن إجابة هذا السؤال معقدة وتشكل تحدياً. إن الشعور بعدم الانتماء إلى أي مكان، والاضطرار باستمرار إلى التكيف مع بيئات جديد والمعاناة في سبيل تكوين روابط عميقة يمكن أن يكون صعباً ويؤدي إلى الشعور بالوحدة. لذلك كانت الثوابت في حياتي دائماً هي جواز سفري وقلقي. إنهما يسافران معي حول العالم".
ومن خلال المذكرات، كشفت آريا عن العديد من جوانب حياتها، بما في ذلك أنها كادت تفشل في عامها الأول في الكلية، فقدت حبها الأول، دخلت في علاقة مسيئة عاطفياً، وواجهت مشاكل صحية معوية مزعجة، كما كانت تعاني من رهاب شديد من السحالي، مما جعلها تنتقل من شقتها في مومباي. كما ساعدت والديها أثناء خضوعهما لعمليات جراحية للكلى، وحاربت قلقها وقلق كلبها الأليف. تقول: "بمساعدة العلاج والكتابة والدعم الثابت من أختي، تمكنت من تخطي العديد من اللحظات الصعبة في حياتي بطريقة مبتكرة. أردت فقط أن أكون صادقة وأن أتمكن من التخلص من أي مشاعر سلبية متبقية. من المضحك أنه في رحلتي لتخطي كل ذلك، خلدت هذه المشاعر من خلال نشر كتاب". هذا ما قالته المؤلفة، التي تعمل حالياً ككاتبة سيناريو، وتعمل عن بُعد على فيلم وثائقي، بالإضافة إلى كتابة سيناريو فيلم وكتاب للأطفال.
يُروى كتاب "Citizen by Descent" بصوت آريا المميز، ويُقدَّم محتواه من خلال سلسلة من الرسوم التوضيحية الحيوية المتناثرة عبر الفصول. بعد تعاونها أولاً مع صديق في الرسمة التوضيحية الأولى، تعاونت المؤلفة مع العديد من الفنانين العالميين لتقديم رسوم توضيحية لكتابها، بما في ذلك "إشراق بوزيدي" و "غوراف أوغالي" و "أنيت فرناندو" و "تانيا تيمبل" و "بريادارشيني كاكر" و "حنيفة حميد" من بين آخرين. تشير آريا إلى أن "الرسوم التوضيحية قدّمت نسخاً مختلفة مني حيث أعاد الفنانون تصويري من خلال عدسة القارئ".
ورغم أن تأليف سيرتها الذاتية عزز ثقتها بنفسها، إلا أن نشرها بنفسها منحها سيطرة كاملة على عملية الكتابة والطباعة. كانت الدروس المستفادة طوال الرحلة كثيرة، لكن أهم ما تعلمته آريا هو إدراكها أن بناء "منزل" مثالي أمر مستحيل، وأن ذلك له معاني مختلفة بالنسبة لكل شخص. وفي خاتمة الكتاب كتبت: "إن قصص الوطن تُكتب باستمرار، مما يعني أنها تتطور دائماً وتعيد تعريف نفسها. لذلك، فإنني أزيل الضغط. لست بحاجة إلى معرفة نسختي الخاصة وقد تصالحت أخيراً مع هذا. الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أنه إذا شعرت "بالانتماء لوطنٍ" ولو مرة واحدة، حتى لجزء من الثانية، فمن المؤكد أنني سأشعر بذلك مراراً وتكراراً".