وجدت معلمة في مدرسة مرموقة نفسها في بيئة عمل قد يعتبرها الكثيرون بيئة مثالية، على الرغم من صغر حجم الفصل الدراسي، وخفة عبء العمل، ووفرة الوقت الفارغ، بدت وظيفتها مثالية على الورق. ولكن مع قلة المهام التي يتعين عليها القيام بها وعدم وجود ما يكفي لتحديها أو إشراكها، بدأت المعلمة تشعر بالفخ، وعدم الرضا، والخمول.
لقد كشفت هذه القضية عن حقيقة مذهلة وهي أن العمل لساعات أقل من اللازم قد يكون ضاراً مثل العمل لساعات أطول.
وتوضح تجربة المعلمة قضية أوسع نطاقاً يواجهها العديد من الناس في حياتهم اليومية: خطر اختلال الروتين. عندما لا تتوافق عاداتنا اليومية وعملنا مع من نحن حقاً، فقد يؤدي ذلك ببطء إلى تآكل صحتنا العقلية والجسدية، وغالباً دون أن ندرك ذلك.
لقد رأت آني جاكسون, مؤسسة شركة One Life Coaching ME والرئيسة التنفيذية لها، عدداً لا يحصى من العملاء الذين يعانون دون علمهم من الآثار السلبية لروتينهم اليومي. وقالت لصحيفة خليج تايمز : "إذا كانت عاداتك اليومية لا تتوافق مع قيمك وشغفك، فقد تدمرك ببطء".
وأضافت: "معظم الناس لا يدركون أن طاقتهم تستنزف بسبب العادات التي تبنوها دون أدنى شك - وهي عادات قد لا تخدمهم بشكل جيد. وتشكل حالة المعلمة التي لا تعمل بشكل كافٍ نموذجاً مثالياً على ذلك. فعلى الرغم من حصولها على ما يعتبره الكثيرون وظيفة يحسدون عليها، فإن الافتقار إلى العمل الهادف أدى إلى الشعور بالملل والإحباط، وفي النهاية الإرهاق".
وأشارت جاكسون، التي تتمتع بخبرة عمل تزيد على 14 عاماً، إلى وجود ارتباط عميق بين روتيننا اليومي ورفاهيتنا بشكل عام. وتدعم الدراسات طويلة الأمد هذا الارتباط، بما في ذلك دراسة أجرتها جامعة "هارفارد" ووجدت أن الأشخاص الذين يعيشون وفقاً لقيمهم ويحافظون على روابط مجتمعية قوية ليسوا أكثر سعادة فحسب، بل يتمتعون أيضاً بصحة بدنية أفضل.
وأكدت "دانييل سميث"، مدربة الحياة ذات الخبرة والتي أسست مؤسسة" بوسيتيف وورك بليس" The Positive Workplace، على أهمية التقييم الذاتي المنتظم للتعرف على العلامات المبكرة التي تشير إلى أن روتينك قد يكون ضاراً.
"إن إجراء فحوصات واقعية منتظمة لمعرفة شعورك وأدائك أمر بالغ الأهمية. إذا لاحظت إرهاقاً مستمراً، أو افتقاراً للحماس، أو شعوراً بالوقوع في فخ، فقد يكون الوقت قد حان لإعادة تقييم روتينك"، كما نصحت سميث.
وأضافت جاكسون: "إذا لم يكن لديك الطاقة لما تفعله، وإذا وجدت صعوبة في النهوض والذهاب، فمن المحتمل أن يكون ذلك لأن طاقتك تستنزف بسبب روتين لا يتماشى مع قيمك".
وقد رددت سميث هذا الرأي، مشيرة إلى أن الناس غالباً ما يتجاهلون أهمية العادات اليومية الصغيرة في تشكيل رفاهيتهم العامة. وقالت: "إن التغييرات الصغيرة في العادات كل يوم تؤدي إلى تغيير كبير. وكما أن ادخار مبلغ صغير من المال يومياً يمكن أن يتراكم إلى مبلغ كبير بمرور الوقت، فإن العادات البسيطة على ما يبدو يمكن أن تؤثر بشكل عميق على حياتك، للأفضل أو الأسوأ".
إذن، ماذا يجب أن تفعل إذا أدركت أن روتينك لا يخدمك بشكل جيد؟ اقترحت جاكسون وسميث البدء بخطوات صغيرة يمكن التحكم فيها.
"ابدأ بالتحرك بخطوات صغيرة، وجرّب شيئاً مختلفاً، وانظر كيف تشعر. ليس من الضروري أن تغيّر روتينك بالكامل بين عشية وضحاها؛ فحتى التغييرات الإيجابية الصغيرة يمكن أن تضعك على المسار الصحيح"، كما أكد سميث.
ومن جانبها، أكدت جاكسون على أهمية مطابقة روتينك مع قيمك الأساسية. وأوضحت: "يعرف معظم الناس أربع أو خمس قيم، لكننا نعيش وفقاً لنحو عشرين قيمة. ومن خلال فهم هذه القيم وإعطائها الأولوية، يمكن للناس أن يبدأوا في إعادة تشكيل روتينهم بحيث يتماشى بشكل أفضل مع من هم حقاً".
من المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الروتين اليومي الاعتقاد بأن الحياة المتوازنة تماماً هي مفتاح السعادة. ولكن من غير الواقعي أن نتوقع روتيناً متوازناً تماماً في جميع الأوقات.
وأشارت سميث إلى أن "تحديد الأولويات بشكل صحيح على المدى القصير والمتوسط هو أكثر فعالية. فمن خلال التركيز على ما هو الأكثر أهمية في أي وقت معين، يمكنك إنشاء روتين يدعم رفاهيتك بشكل أفضل".
إن دمج التأمل الواعي أو العناية الذاتية في روتينك اليومي يمكن أن يكون أيضاً وسيلة قوية لمواجهة آثار اختلال الروتين. وأضافت: "أقترح استخدام التطبيقات التي تقدم تأملات موجهة وممارسات تأمل أخرى، مثل Calm أو Headspace. وبدلاً من ذلك، غالباً ما يُذكر أن ممارسة الرياضة في معظم أشكالها لها تأثيرات تأملية".
إن إجراء تعديلات بسيطة على روتينك اليومي قد يساعدك أيضاً. على سبيل المثال، إذا وجدت نفسك مقيداً بعادة العمل حتى وقت متأخر من الليل، ففكر في وضع جدول زمني لساعات محددة للراحة والترفيه، تماماً كما تفعل مع مهام العمل. وتؤكد سميث: "حتى الخطوات الصغيرة في الاتجاه الصحيح يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً".