الازدحام المروري في الإمارات: تأثيرات نفسية وصحية
يقول السكان والخبراء إن الروتين اليومي الناجم عن حركة المرور الكثيفة ليس مجرد إزعاج؛ بل له تأثيرات عميقة على الصحة العقلية، مما يؤدي غالباً إلى زيادة الانفعال والإحباط وحتى مشاكل الغضب.
بالنسبة لبعض الركاب، أصبح عبء التنقل على الطرق المزدحمة مصدراً كبيراً للتوتر، مع ما يترتب على ذلك من آثار على صحتهم العقلية وإنتاجيتهم.
ومن بين هؤلاء المقيمين زيد أسامة، الذي يبدأ رحلته اليومية من الخان في الشارقة قبل شروق الشمس ليصل إلى مكان عمله في جبل علي في الموعد المحدد. وقال لصحيفة خليج تايمز : "إذا غادرت متأخراً، يمكن أن يتضاعف وقت تنقلي بسهولة"، موضحًا كيف يمكن لحركة المرور في ساعة الذروة أن تحول رحلة يمكن إدارتها إلى كابوس لوجستي.
ورغم أن المغادرة المبكرة قد تساعد السكان على الوصول إلى مكاتبهم في الوقت المحدد، إلا أن ذلك يأتي بتكلفة باهظة. يقول أسامة: "أفقد الكثير من الوقت الشخصي وبالكاد أتمكن من رؤية عائلتي في الصباح".
بالنسبة لجانا (تم تغيير الاسم بناءً على طلبها)، التي تتنقل يومياً من مردف إلى واحة دبي للسيليكون، فإن عدم القدرة على التنبؤ بحركة المرور يشكل إحباطًا مستمرًا. وقالت: "حتى لو غادرت قبل ثلاث ساعات من الموعد المحدد، فإن الحوادث أو أعمال الطرق المفاجئة قد تجعلني عالقة لساعات". وأضافت: "الحرارة تزيد من تفاقم المشكلة، مما يجعل التجربة أكثر إرهاقًا".
الضرر الجسدي والنفسي
قال الدكتور "دانيش كوروبيم"، أخصائي علم النفس السريري في مستشفى إن إم سي رويال، مدينة خليفة، أبوظبي: "إن الازدحام المروري يؤثر على الأفراد على مستويات متعددة - جسدية ونفسية وإدراكية واجتماعية. إن التعرض المطول للضغوط المرورية يمكن أن يزيد من هرمون الكورتيزول وغيره من هرمونات التوتر، مما يؤدي إلى القلق والاكتئاب والصداع وحتى أمراض القلب".
وقد عبر زيد عن هذا الرأي، مشيراً إلى أن تنقلاته اليومية تجعله منهكاً ذهنياً حتى قبل أن يبدأ يوم العمل. وقال: "الأشياء الصغيرة، مثل سائق متهور يقطع طريقي، يمكن أن تدمر مزاجي تماماً طوال اليوم".
وتجد جانا نفسها أيضًا تكافح من أجل التحكم في أعصابها، وتقول: "يبدأ الإحباط في السيارة ويمتد إلى بقية يومي".
وأشار الدكتور دانيش إلى أن الشعور بالعجز أثناء الاختناقات المرورية قد يؤدي إلى الإحباط، والذي يتفاقم في كثير من الأحيان إلى الغضب. وقد يتجلى هذا الغضب في ممارسات القيادة غير الآمنة، سواء عن قصد أو عن غير قصد، مثل القيادة المتهورة أو الغضب على الطريق.
وأضاف أن "الأشخاص الذين يعانون من حالات مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أو القلق، أو الاكتئاب هم أكثر عرضة للخطر، لأن هذه الاضطرابات يمكن أن تؤثر على الحكم وتؤدي إلى تفاقم التوتر أثناء التنقل".
آليات التأقلم والحلول
أوصى الدكتور دانيش بعدة تقنيات لإدارة التوتر الناجم عن حركة المرور:
خطط مسبقًا - اخرج مبكرًا لتجنب ذروة حركة المرور وتقليل ضغوط الاندفاع
ممارسة الاسترخاء – التنفس العميق، أو التأمل، أو حتى التمدد الخفيف قبل القيادة يمكن أن يساعد
المشاركة في الإيجابية - الاستماع إلى الموسيقى الممتعة أو البث الصوتي يمكن أن يحسن الحالة المزاجية أثناء التنقل
كن رحيماً - افهم أن السائقين الآخرين قد يعانون أيضًا، مما قد يساعد في تهدئة الغضب
هناك حاجة إلى حلول طويلة الأمد
كما طور كل من زيد وجانا استراتيجيات للتعامل مع التنقلات المجهدة. يستمع زيد إلى الكتب الصوتية والبودكاست التحفيزية، بينما لجأت جانا إلى الموسيقى الهادئة وتطبيقات التأمل الموجهة. ومع ذلك، يعترف كلاهما بأن هذه الحلول فعالة جزئيًا فقط.
ورغم أن آليات التكيف تساعد، فإن الحلول طويلة الأجل ضرورية. وتستكشف جانا خيارات مثل العمل عن بعد أو التحول إلى وظيفة أقرب إلى المنزل، بينما يفكر زيد في مشاركة السيارة على الرغم من التحديات اللوجستية.
وعلى نطاق أوسع، قد يؤدي تحسين وسائل النقل العام وترتيبات العمل المرنة إلى تخفيف العبء على الركاب. ومع استمرار الازدحام المروري في النمو، فمن الواضح أن معالجة تأثيره النفسي أمر بالغ الأهمية بقدر إدارة تحدياته اللوجستية. وفي عالم سريع الخطى حيث الوقت لا يقدر بثمن، فإن إيجاد طرق لجعل التنقل أقل إجهاداً أمر ضروري للحفاظ على الصحة العقلي.