"أميريكو فسبوتشي" بأبوظبي: رحلة عبر الزمن وأحلام الطفولة
كان القبطان "جوزيبي لاي" يحلم بالسفر حول بحار العالم منذ أن كان في العاشرة من عمره، لكنه لم يشعر بأنه أقرب إلى أحلام طفولته إلا بعد أن قام بجولة حول العالم على متن سفينة التدريب البحرية الإيطالية الشهيرة "أميريجو فسبوتشي".
وتُعرف هذه السفينة التي يبلغ عمرها 93 عاماً بأنها "أجمل سفينة في العالم" بتصميمها الكلاسيكي الفخم وأثاثها الخشبي الرائع، وتأخذ زوارها في رحلة عبر الزمن. استوحي تصميم السفينة التي يبلغ طولها 82 متراً من سفن القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مع تمثال برونزي مذهب للمستكشف الإيطالي الذي سميت باسمه، معلقاً في مقدمتها.
وقال "لاي"، الذي يبلغ من العمر الآن 49 عاماً، إن أحلام طفولته للحياة في البحر تحققت عندما شرع في الجولة العالمية الثانية للسفينة والتي انطلقت في يوليو 2023.
وأضاف: "عندما كنت طفلاً، كنت أحلم بحياة مليئة بالمغامرات والسفر حول العالم، مثل الرسوم المتحركة الخيالية التي اعتدنا على مشاهدتها والتي تصوّر مغامرات البحارة والقراصنة في البحر؛ وتمنحك سفينة "فسبوتشي" هذا الشعور".
وبعد أن أبحر لأول مرة على متن السفينة "أميريكو فسبوتشي" في عام 2001 كمدرب للطلاب عبر مياه شمال أوروبا، لم يكن القبطان "لاي" غريباً على الإرث الفريد للسفينة. ومع ذلك، قاد القبطان "لاي" هذه المرة السفينة الإيطالية الجميلة عبر محيطات جديدة.
وأفاد: "كانت إحدى أكثر التجارب إثارة للاهتمام هي الإبحار عبر قنوات باتاغونيا في أمريكا الجنوبية. المياه هناك معقدة؛ خرجنا من مضيق "ماجلان" وأعدنا الدخول إليه مرتين لأغراض لوجستية".
وأشار إلى خريطة العالم المعلقة على هيكل السفينة، والتي تتبع رحلتهم حيث اتجهوا إلى الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية، وأبحروا حتى أسفل، ثم انعطفوا على شكل حرف "ك" ودخلوا المحيط الهادئ من نفس الجانب لتجنب البحر الهائج، وتوقفوا مرتين في بونتا أريناس لأغراض لوجستية. وفي طريق العودة، أبحروا عبر قنوات الجانب الغربي.
"أثناء الإبحار داخل تلك القنوات، يمكنك رؤية الساحل، وهو جميل للغاية، ويمكنك تجربة هذه الطبيعة كما هي، محفوظة بشكل جيد للغاية ولا يوجد أي علامة على وجود الإنسان. لم أكن على هذا الجانب من المحيط الهادئ من قبل"، كما أوضح.
كانت هذه الرحلة هي الجولة العالمية الثانية لـ"فسبوتشي" خلال تاريخها الطويل، حيث كانت الأولى منذ أكثر من عقدين من الزمن في عامي 2002 و2003. وكانت رحلة عام 2023 أيضاً هي الزيارة الأولى للسفينة إلى منطقة الشرق الأوسط والخليج.
وقال القبطان "لاي": "إن الخليج له أهمية قصوى بالنسبة للعالم ولإيطاليا، لذلك من المهم للغاية بالنسبة لنا أن نكون هنا".
خلال فترة وجودها في محطة الرحلات البحرية في أبوظبي من 27 إلى 31 ديسمبر، استضافت سفينة "أميريجو فسبوتشي" معرض "فيلاجيو إيطاليا" - وهو معرض صغير يضم منتجات "صنع في إيطاليا" والموسيقى والسينما، مع مجموعة من الأنشطة بما في ذلك دورة "كيفية إعداد البيتزا"، وحفلات موسيقية مباشرة وعروض أفلام، ممّا يجذب السكان والزوار من جميع الأعمار.
ومع ذلك، فإن مهمة "فسبوتشي" لا تقتصر على إظهار مكانتها الرائعة وثقافتها الإيطالية الغنية، بل تشمل أيضاً تشكيل مستقبل القيادة البحرية.
"على متن السفينة التاريخية، يتعلم طلاب البحرية الإيطالية أساسيات الملاحة البحرية، وكيفية التنقل بالطريقة القديمة، وتسخير قوة الرياح والتيار، وكيفية التدخل في الملاحة، وهو أمر يمكنك تعلمه في الكتب، ولكن لا يزال يتعين عليك تجربته والشعور به"، كما صرّح القبطان "لاي".
وتمثل الرحلة أيضاً اختباراً للشخصية؛ حيث يواجه المتدربون الحرارة، والرطوبة، وقلّة النوم. وهناك لحظات قليلة جداً يمكنهم فيها الراحة. إنها طريقة رائعة لاختبار قدرتهم على الصمود.
"كنت أقول عندما ترى شخصاً يتعامل مع التوتر، فإنك تكشف عن طبيعته الحقيقية وترى شخصيته من الداخل والخارج، وهذا مهم جداً، لأنك لا تريد قائداً يصبح عدوانياً ويضيع، أو يصاب بالذعر ويبدأ في البكاء عندما يواجه موقفاً مرهقاً."
عندما غادرت السفينة "سانتو دومينغو" في يوليو 2023، كان لديها طاقم ثابت من 250 شخصاً وكان يرافقها مجموعتان من 150 طالباً لكل منهما، وكانوا يصعدون على متن السفينة في أوقات مختلفة، ويخضعون لثلاثة أشهر من التدريب. "عندما نستقبل طلاباً، يزداد حجم الطاقم إلى حوالي 400 إلى 420".
وتابع القبطان قائلاً: "كانت هذه أطول رحلة بحرية لي على الإطلاق. لم أتوقع أن تكون صعبة نفسياً إلى هذا الحد. كان الحفاظ على تماسك الطاقم هو التحدي الأكبر. لكنه كان أيضاً أعظم درس تعلمته - إدراك أنه من خلال التماسك، يمكننا التغلب حتى على أصعب العقبات".
ولحسن الحظ، تمكن القبطان من التواصل مع عائلته مرتين طوال الرحلة.
وقال وهو يشير إليها بين الزوار على متن السفينة: "التقيت بزوجتي في الأرجنتين، وتوقفنا هناك لمدّة خمسة أشهر تقريباً للصيانة، وبقيت معي لمدّة ثلاثة أشهر. وهي هنا معي الآن أيضاً".
وعندما سُئل عن العناصر الأكثر جذباً للزوار على متن سفينة "فسبوتشي"، صرّح: "عندما يصعد الناس على متن السفينة لأول مرة، ينبهرون بجمال السفينة، ولكن التفاصيل الصغيرة أيضاً هي التي تُبهرهم أكثر من غيرها.
"لكل عنصر من عناصر السفينة غرض. ربما لا ترى ذلك عندما تكون في الميناء، ولكنك ستدرك أن له وظيفة أثناء الإبحار."
وأشار إلى الظل الذي يغطي السفينة، قائلاً: "عندما نبحر، لا يكون لدينا هذا الظل، وترى شبكة من الخطوط على سطح السفينة (من انعكاس الشمس)، كل خط واحد هو مناورة للأشرعة، لذلك كل التفاصيل مهمة".