التراث الفلكي الإماراتي: نظام "الدرور" القديم للتنبؤ بالطقس والزراعة
لفهم العالم الطبيعي والتنبؤ بالتغيرات الموسمية، طوّر الإماراتيون القدماء نظام "الدرور" وهو طريقة متطورة تستخدم النجوم كدليل لهم.
واليوم يستعين علماء الفلك في الإمارات العربية المتحدة بهذه الحكمة القديمة للتنبؤ بأنماط الطقس المعاصرة. فبدون التلسكوبات أو التكنولوجيا الحديثة، كان هؤلاء الملاحون الأوائل يعرفون بدقة متى تشرق وتغرب نجوم معينة، مما سمح لهم بمواءمة أنشطتهم مع إيقاعات الطبيعة.
وأوضح جمعة خليفة أحمد بن ثالث الحمري، الباحث الإماراتي في التراث، أن أسلافنا كانوا يحسبون توقيت أنشطتهم بناءً على النجوم، على سبيل المثال، كانوا يحددون موعد الغوص من خلال مراقبة السماء، وتحديد فترة للعودة إلى الوطن بعد عدد محدد من الأيام. لقد أدركوا أنه عندما يرفرف العلم على سفينتهم من الشمال إلى الجنوب، فإن ذلك يشير إلى أن موسم الغوص قد بدأ.
وقد ثبت أن هذه المعرفة القديمة كانت حيوية للبقاء. ووصف بن ثالث الحمري كيف كانت تتم مراقبة التغيرات المناخية وأنماط هجرة الطيور عن كثب. وأشار إلى أن "أصوات الطيور المهاجرة كانت علامة على أن الطقس أصبح باردًا، مما يشير إلى نهاية موسم الغوص".
واستعدت الأسر لهذه التغييرات، فحرصت على تجهيز منازلها لاستقبال أحبائها. وأضاف: "بينما كان الرجال غائبين، كانت النساء يعددن المنزل ويجمعن التمور لتخزينها لفصل الشتاء".
وفي عام 1995، بدأ فريق متخصص من الباحثين، بمن فيهم بن ثالث الحمري، في توثيق هذه المعرفة القديمة. ويتذكر قائلاً: "لقد عملنا مع كبار السن لجمع المعلومات حول كيفية استخدامهم لنظام الدرور في حياتهم اليومية".
"بعد ثلاث سنوات من جمع البيانات والحسابات، تمكنا من تكوين فهم شامل لكيفية كون هذه الأنماط السماوية ضرورية للملاحة وإدارة الموارد."
يقسم نظام الدرور السنة إلى أجزاء كل منها يتكون من عشرة أيام، ويبدأ ذلك عند رصد نجم سهيل لأول مرة في السماء. ويقدم كل جزء نظرة ثاقبة لما يمكن توقعه، مما يساعد المجتمع على الاستعداد لمختلف الأنشطة.
وتنقسم هذه الأجزاء إلى ثلاثة فصول رئيسية مدة كل منها 100 يوم - الخريف، والشتاء، والربيع - في حين أن الأيام المتبقية، حتى ظهور نجم سهيل، تشير إلى الصيف.
يتم إحياء نظام الدروراليوم كأداة قيمة للزراعة المستدامة. يستخدم المزارعون الآن هذا التقويم القديم لتحديد أوقات الزراعة والحصاد المثلى، والاستفادة من رؤاه لزراعة المحاصيل بشكل أكثر فعالية.
ومن خلال مراقبة الأنماط السماوية وفهم الدورات الموسمية، يمكن للمزارعين الإماراتيين المعاصرين اتخاذ قرارات مستنيرة تتوافق مع التقاليد والاستدامة البيئية.
إن فهم متى تزرع القمح ومتى تحصده وكيفية العناية بالمحاصيل من المعارف الأساسية للمزارعين والمهندسين العاملين في الزراعة. وأكد بن ثالث الحمري أن "من المهم معرفة أن زراعة القمح في شهر أغسطس أمر غير مستحسن".
وأضاف أن "الرياح الساحلية يمكن أن تعطل موسم النمو، وهذه الرياح القادمة من الساحل الشرقي بالقرب من خورفكان تؤثر بشكل كبير على الممارسات الزراعية".
وأوضح أن الرياح القادمة من منطقة بلاد الشام، والتي يطلق عليها رياح سهيل، تؤثر أيضًا على توقيت الزراعة والحصاد. وأشار إلى أنه "من خلال تسخير تراثنا، يمكننا تعزيز جهود الاستدامة"، مسلطًا الضوء على اتجاه متزايد في دولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة في الشارقة، حيث يتم الترويج للمبادرات الزراعية.
وأوضح أن "صاحب السمو حاكم الشارقة أنشأ مزارع لتسهيل هذه الحركة، ودمج الممارسات التقليدية مثل نظام الدرور في جهود الاستدامة الحديثة".
تم إحياء هذه الحكمة القديمة خلال ليالي الدرور، وهي تجربة تخييم صحراوية فريدة من نوعها احتفلت بنظام الدرور وتأثيره العميق على حياة الإماراتيين يوم السبت 16 نوفمبر، في سد وادي مدائنة في رأس الخيمة. وكان هذا الحدث جزءًا من الجهود المستمرة لتعزيز الاستدامة والتراث الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
بفضل انعدام التلوث الضوئي، وفرت سماء الليل الصافية خلفية مذهلة لمشاهدة النجوم. وشاهد الحضور عجائب السماء من خلال التلسكوبات، والتقطوا صورًا للنجوم والكواكب بينما تعلموا عن أهمية نظام الدرور في الثقافة الإماراتية.
ومع غروب الشمس، تجمع المشاركون لمراقبة غروبها بأمان من خلال معدات متخصصة. وأدار هذه الجلسة محمد طلافحة، وهو مراقب فلكي، مؤكدًا على أهمية استخدام المرشحات الواقية. وأوضح: "الشمس هي واحدة من ألمع الأجرام في سمائنا، ولكن قد يكون من الخطير أيضًا مراقبتها دون اتخاذ الاحتياطات المناسبة".
ومع حلول الليل، تم نصب التلسكوبات لمشاهدة القمر والنجوم. وانبهر الحاضرون بالتفاصيل الدقيقة للفوهات القمرية والأبراج المتلألئة أعلاه. وعززت التجربة الشعور بالانتماء إلى المجتمع والغرض المشترك، حيث انخرط المشاركون في مناقشات حول كيفية مواءمة الممارسات الحديثة مع حكمة الماضي.
وقالت روضة الفلاسي، نائبة قائد مشروع عام الاستدامة: "من خلال مراقبة الدرور، نعيد الاتصال بإيقاعات بيئتنا الطبيعية. ويجسد هذا الحدث كيف يمكن للتقاليد الموروثة أن توجهنا نحو مستقبل أكثر استدامة".