مع النمو السريع لاستهلاك الوسائط الرقمية بين الأطفال، يشير الخبراء إلى مخاوف بشأن التأثيرات النفسية الناجمة عن التعرض المفرط للمحتوى العنيف والسلبي.
ويحذر أخصائيو علم نفس الأطفال في الإمارات العربية المتحدة من أن التعرض لمثل هذا المحتوى يمكن أن يؤدي إلى "متلازمة العالم القاسي"، وهي حالة يبدأ فيها الأطفال في تصور العالم على أنه مكان أكثر خطورة وعدائية مما هو عليه في الواقع.
أحمد (تم تغيير الاسم بناءً على الطلب)، صبي يبلغ من العمر تسع سنوات، ظهرت عليه علامات القلق وعدم الثقة تجاه أعمامه وأبناء عمومته بعد أشهر من مشاهدة برامج فئة التشويق والجريمة. وبعد أن كان مقرباً من أقاربه تدهورت علاقته بهم حيث أصبح يظن أنهم خطرون، وأنه قد يتلقى منهم الخيانة أو العنف الذي شاهده على شاشة التلفزيون. واشتد خوفه حتى أصبح يتجنب التجمعات العائلية، وعانى من الكوابيس، وأصر على إغلاق الأبواب لحماية نفسه من التهديدات الخيالية من أفراد عائلته.
وقالت والدة أحمد: "كان صبياً مرحاً، يتطلع دائماً إلى قضاء الوقت مع أبناء عمومته وأعمامه. وحتى شهر مارس من هذا العام، كان مرحاً للغاية ويحب التواجد بين أفراد الأسرة. وفي الآونة الأخيرة، عندما يزوره أقاربه، يغادر المنزل أو يحبس نفسه في غرفته. وفي بعض الأحيان، يقول لي أن أعمامه يشبهون المجرمين".
وأضافت الأم: "لم أستطع فهم الأمر في البداية، لذا استشرت صديقة تعمل كطبيبة نفسية، وأوضحت لي أن محتوى الوسائط الإعلامية قد يؤثر على سلوكه، وبعد فحص جهازه اللوحي، وجدت أنه كان يشاهد برامج التشويق والإثارة".
وقام طبيب نفسي متخصص في الأطفال بتشخيص حالة أحمد "بمتلازمة العالم القاسي"، وهي حالة يؤدي فيها التعرض المفرط لوسائل الإعلام العنيفة أو المثيرة للتشويق إلى تشويه رؤية الشخص للعالم، مما يدفعه إلى الاعتقاد بأن العالم، وحتى الأشخاص المألوفين، أكثر خطورة مما هم عليه في الواقع. في حالة أحمد، تسببت البرامج التي شاهدها في إسقاط خطر خيالي على علاقات حقيقية، وعدم القدرة على التمييز بين الدراما التلفزيونية والواقع، مما أدى إلى الخوف والقلق.
قالت الدكتورة آلاء سالم أحمد، أخصائية الطب النفسي في مستشفى زليخة دبي، إن متلازمة العالم القاسي هي حالة نفسية حيث تتشكل لدى الأفراد، وخاصة الأطفال، رؤية مشوهة للواقع بعد التعرض لوسائل الإعلام العنيفة أو السلبية بشكل مفرط.
"تتجلى هذه الحالة في صورة انعدام الثقة والقلق والخوف تجاه الآخرين، حتى أفراد الأسرة المقربين."
غالباً ما يواجه الأطفال الذين يعانون من متلازمة العالم القاسي مستويات مرتفعة من القلق والارتياب وحتى الاكتئاب. تقول الدكتورة آلاء: "تتحول نظرتهم للعالم لتصبح مشوهة. يلاحظون وجود التهديدات حيث لا يوجد أي شيء، مما يؤدي إلى فرط اليقظة وصعوبة الوثوق في الآخرين وفي بعض الحالات العزلة الاجتماعية. يمكن أن يتداخل هذا الخوف المتزايد مع الحياة اليومية، مما يؤثر على الأداء المدرسي والتفاعلات الاجتماعية والرفاهية العامة".
وقالت بينو ماري تشاكو، طبيبة نفسية في مستشفى ميديور بأبوظبي، إن التعرض لفترات طويلة لوسائل الإعلام العنيفة يمكن أن يخلق اعتقاداً لا شعورياً بأن الوحشية التي نراها على الشاشة تعكس الحياة الحقيقية.
"بمرور الوقت، قد يصاب الأطفال بأفكار جنونية، حيث ينظرون إلى الآخرين باعتبارهم تهديداً. وقد يؤدي هذا إلى القلق الشديد والأرق وحتى الاكتئاب"، كما تقول تشاكو.
ويقول الخبراء إن هناك زيادة ملحوظة في عدد الأطفال الذين يظهر عليهم أعراض التوتر والخوف والقلق بسبب الإفراط في التعرض إلى وسائل الإعلام. وقالت الدكتورة آلاء: "يتعرض الأطفال اليوم باستمرار لمحتوى عنيف من خلال التلفزيون والمنصات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذا التعرض المستمر دون توجيه أو مناقشة مناسبة يمكن أن يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة العالم القاسي".
وذكرت تشاكو كيف أن منصات التواصل الاجتماعي، بما تقدمه من محتوى يعتمد على الخوارزميات، تزيد من المشكلة. وقالت تشاكو: "يمكن للأطفال أن يقعوا بسهولة في حلقة من المحتوى العنيف، مما يعمق تصوراتهم القائمة على الخوف". وعلى عكس منافذ الأخبار التقليدية، توفر وسائل التواصل الاجتماعي إمكانية الوصول إلى محتوى مثير على مدار الساعة وتغمر المستخدمين به مما يزيد من قلقهم.
وحثت الدكتورة آلاء الآباء على مراقبة أطفالهم بحثاً عن علامات متلازمة العالم القاسي. كما ذكرت بعض العلامات التحذيرية: "تجنب التفاعلات الاجتماعية، والكوابيس المتكررة، وعدم الثقة في الأشخاص المألوفين، والسلوكيات الوسواسية مثل إغلاق الأبواب باستمرار. قد يعبر الأطفال أيضاً عن مخاوف غير منطقية بشأن سلامتهم، والتي تعكس السيناريوهات التي رأوها على الشاشة بدلاً من الواقع".
ولتخفيف هذه المخاطر، يوصي الخبراء الآباء باتباع عدة استراتيجيات. وتقول تشاكو: "إن وضع حدود لاستهلاك الوسائط الإعلامية، ومشاهدة المحتوى مع الأطفال، وتشجيع الوسائط الإعلامية الإيجابية المناسبة للعمر، من شأنه أن يقلل بشكل كبير من احتمالية الإصابة بهذه الحالة".
إذا تُرِكَت متلازمة العالم القاسي دون علاج، فقد يكون لها آثار طويلة الأمد على النمو النفسي للطفل. واتفق الخبراء على أن القلق المزمن وانعدام الثقة والارتياب يمكن أن يستمر حتى مرحلة البلوغ، مما قد يؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي وصعوبة تكوين علاقات قائمة على الثقة. وقالت الدكتورة آلاء: "في الحالات القصوى، قد يصبح الأطفال غير مبالين بالمخاطر في العالم الحقيقي، أو على العكس من ذلك، يتطور لديهم خوف غير منطقي من المواقف الغير ضارة".
ومع تزايد سهولة الوصول إلى المحتوى الإعلامي في عالم اليوم، يعتقد الخبراء أنه من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يؤدي الآباء دوراً نشطاً في مراقبة تعرض أطفالهم للمحتوى. واختتمت الدكتورة آلاء حديثها قائلة: "في عالم مليئ بالمحتوى السلبي، يحتاج الأطفال إلى التوجيه لفهم الفرق بين الخيال والواقع".