المصممة زينب البلوكي تستنطق الخشب لاستعادة التراث
مصممة إماراتية شغوفة تُحدث ضجة في عالم التصميم بمزيجها الفريد من مظاهر الجمال المعاصرة والتراث الثقافي. بدأت رحلتها بفكرة بسيطة لاستعادة الخشب من مراكب "الداو" (مراكب الخشب الشراعية العربية التقليدية) وحولت الأمر إلى فن تحويلي لصنع أثاث مخصص.
تقول زينب البلوكي لصحيفة خليج تايمز: "لم يكن الأمر يتعلق فقط بالمادة؛ بل بالقصص التي يمكن أن يرويها الخشب".
ومن بين المواد التي تستخدمها في صناعتها هي حبال البحارة والأخشاب من الداو. وعندما بدأت، كان الأمر أشبه برحلة بحث عن الكنز، قادها بحثها عن الأخشاب إلى بعض الأماكن غير المتوقعة، بما في ذلك الجزر الأقل شهرة حول أبوظبي.
وأضافت: "التقيت ببعض السكان من كبار السن في الموانئ وانبهرت بكرمهم، فقد عرضوا عليّ أن الخشب مجاناً رغم أنني كنت أنوي الدفع مقابله، كما ساعدوني في التعرف على المزيد من الأشخاص الذين يمكنهم مساعدتي في الأمر".
وفي بحثها عن الخشب الساج الأصلي - المادة التقليدية المستخدمة في صناعة المراكب الشراعية - زارت العديد من المزارع في الرحبة، واكتشفت وجود ورش عمل غير رسمية حيث لا يزال الحرفيون يمارسون حرفتهم. وأشارت إلى أن العثور على خشب الساج الأصلي مثل تحدياً حقيقياً، "لكن الأشخاص الذين قابلتهم دعموني بشكل لا يصدق، وغالباً ما عرضوا عليّ الخشب الذي كانوا يمتلكونه لسنوات".
إن هذه التجربة الغامرة وسعت من شبكة معارفها بطرق لم تكن تتخيلها، حيث عرفتها على الحرفيين وبناة القوارب في جميع أنحاء الإمارات العربية المتحدة. قالت البلوكي: "ما فاجأني حقاً هو حماس كل من قابلتهم، كانوا سعيدين حقاً بالمشاركة في مشروع مستدام".
وقد تلقى مشروعها دفعة قوية تحت مظلة عام الاستدامة، الذي تقوده مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان. وعندما طُلب منها إنتاج مواد مستدامة للحملة الوطنية، اغتنمت الفرصة لعرض رؤيتها، وهي أثاث مصنوع من خشب الداو المستصلح.
وبالتعاون الوثيق مع مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان ومختبر المواد (فريق مخصص لاستكشاف المواد المبتكرة والمستدامة)، تمت الموافقة على فكرتها. المشروع مستمر منذ شهر مايو، ومن المقرر الانتهاء منه الشهر المقبل.
الأثاث المستدام
ومع اقتراب المشروع من الاكتمال، تركز زينب على صنع قطع أثاث مميزة ــ سواء كانت كرسياً أو طاولة أو مصباحاً ــ مصنوعة بالكامل من خشب الداو المعاد تدويره. والهدف ليس مجرد إنتاج الأثاث، بل تقديم مادة مستدامة يمكن للمصممين الآخرين استخدامها.
وأكدت البلوكي: "إن الاستدامة لا تتعلق فقط بالمواد؛ بل تتعلق بالقصص التي تكمن وراءها وتاريخها ومهارة الصنع".
وقد نال شغفها بالتصميم اهتماماً كبيراً في السنوات السابقة، بما في ذلك جائزة عن عمل فني للشيخ زايد في معرض "لايتيكيشن ميدل ايست" (Lightication Middle East). كما شاركت أيضاً في أسبوع التصميم بدبي، والسركال أفنيو، ومهرجان سميثسونيان للفنون الشعبية الذي يعقد سنوياً في العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث عرضت مشروعها لخريجي الجامعة وهو "إعادة استخدام موقع تاريخي في العين".
تمكنت البلوكي، المتخصصة في التسويق والتصميم، من بناء مسيرة مهنية تمزج بين إبداعها وحبها لأبوظبي. وهي تعمل حالياً على الترويج لجزيرة السعديات، وهي وجهة عزيزة عليها لشواطئها الشهيرة ومتاحفها وأجوائها الثقافية.
وقالت: "إن الانضمام إلى مجموعة تعمل على الترويج لأبوظبي أمر مثير للغاية. إن الأمر أكثر من مجرد وظيفة؛ بل إنه فرصة لتمثيل المدينة التي ألهمتني طوال حياتي".
ترتبط أعمال البلوكي بشكل وثيق بثقافة أبوظبي، حيث تستمد الإلهام في أعمالها من المناظر الطبيعية والتاريخ في المدينة. وقالت: "لطالما ألهمتني أبوظبي. من شواطئها إلى هندستها المعمارية فهي المدينة التي بدأت فيها رحلتي الإبداعية وما زالت تزدهر".
شغف النجارة
بعد تخرجها في عام 2020 من جامعة زايد بدرجة في الفنون الجميلة والتصميم الداخلي، أطلقت البلوكي استوديو التصميم الخاص بها "سكوير 16" (Square 16). وقالت إن اسم الاستوديو يرمز إلى تقاطعات الحياة تماماً مثل معابر المشاة في أبوظبي، مما يعكس التعاون مع الحفاظ على التفرد. نما "سكوير 16" ليصبح منصة للفنانين والمصممين المحليين لمشاركة أعمالهم ومع شغف زينب في تصميم الأثاث.
أدى حبها للنجارة، الذي نشأ أثناء سنوات دراستها الجامعية، إلى إنشاء ورشة عمل في منزلها، حيث تواصل تصميم قطع فريدة من نوعها. ومن بين أعمالها المفضلة طاولة تسمى "كمبر"، مستوحاة من مصطلح إماراتي للحبل الطبيعي والحرف التقليدية.
ويشيد التصميم بتراثها وجدها لأمها الراحل، الذي كان يصنع الحبال يدوياً. وقالت البلوكي: "إن العمل على كمبر أعاد إلى الأذهان ذكرياته والعمل الحرفي الذي كان يحبه".
وتتطلع البلوكي إلى المستقبل بحماسة إلى إمكانات مشروعها وتأمل أن يلهم المزيد من التعاون في مجال التصميم المستدام. وأضافت: "كانت هذه الرحلة بمثابة تحدي لنفسي، تماماً مثل بناة السفن الشراعية الذين التقيت بهم. نحن جميعاً نتجاوز الحدود، وهذا ما يجعل هذا المشروع مميزاً للغاية".