تجربة فريدة في دبي: كوميديا صامتة تجمع مجتمع الصم
تخيل حضور جلسة كوميدية حية دون أن ينطق أحد بكلمة واحدة. هذه هي التجربة التي عاشها أكثر من 100 مشارك أصم عندما اجتمعوا في دبي لحضور أول مهرجان من نوعه. تضمن مهرجان دبي للصم، الذي نظمته وكالة أمسان للسياحة والذي انطلق يوم الخميس، جلسات إعلامية وعروضاً كوميدية، مع مترجمي لغة الإشارة الذين ساعدوا جميع المشاركين في كل ما يحتاجون إليه.
في اليوم الأول من المهرجان، كان الجو هادئاً بشكل فريد، لكن المشاهد كانت نابضة بالحياة. كانت تجربة فريدة من نوعها، مليئة بالصمت التام حيث كانت مجموعات من الناس تتبادل الإشارات مع بعضها البعض بحيوية.
كانت نوبات الضحك واضحة في تعابيرهم، مما خلق شعوراً ملموساً بالتفاهم المشترك الذي تجاوز الكلمات المنطوقة. ومع بدء العروض الكوميدية، تواصل الحضور من ثقافات مختلفة من خلال لغة مشتركة - لغة الإشارة - ووجدوا الفرح في تفاعلاتهم.
وكان من بين المترجمين نبيل الشرقاوي. وبفضل نشأته المتجذرة في ثقافة الصم، جلب نبيل منظوراً لا مثيل له للمهرجان، والذي تشكل من خلال دوره الفريد كطفل يسمع لوالدين أصمين. نشأ نبيل، وهو من أصل مصري والخامس من بين 13 شقيقاً، في أسرة فريدة من نوعها حيث كان التواصل متجذراً في لغة الإشارة. منذ سن مبكرة، تعلم كيفية التنقل في العالم من خلال منظورهم. قال وهو يتأمل نشأته: 'لغة الإشارة هي لغتي الأم. كانت لغتي الأولى، حتى قبل أن أتعلم التحدث.'
لم يكتف والدا نبيل بتعليمه لغة الإشارة، بل غرسا فيه أيضاً تقديراً عميقاً لقدرة مجتمع الصم على الصمود. يتذكر نبيل: 'كان منزلنا مليئاً بالتعبير. كانت تعبيرات الوجه والإيماءات والإشارة هي طريقتنا في مشاركة كل شيء - القصص والعواطف وحتى الدعابات.' لقد منح هذا الانغماس المبكر نبيل فهماً بديهياً لتجربة الصم، مما شكل قدرته على سد الفجوات بين مجتمعات الصم والسامعين.
على الرغم من أن نبيل درس الهندسة في البداية، إلا أن شغفه بالتواصل مع مجتمع الصم دفعه للانضمام إلى وكالة أمسان للسياحة. وقال: 'هذا المهرجان رائد. إنه أكثر من مجرد حدث؛ إنه جسر للتفاهم الثقافي والشمول'.
كان من بين المترجمين الرئيسيين في الحدث ماجد البلوشي، إماراتي يبلغ من العمر 30 عاماً وسفير العلامة التجارية ومدير العلاقات في أمسان. وبما أنه أصم، نشأ مع ثلاثة أشقاء صم، وكانت نشأته شهادة على المثابرة والقدرة على التكيف. وقال لصحيفة خليج تايمز: 'عندما بدأت العمل مع أمسان قبل عام ونصف، كانت فرصة لربط شغفي بالإرشاد مع مجتمع الصم.'
وبفضل تدريبه في إدارة الموارد البشرية وخبرته كمرشد سياحي، يرى ماجد أن المهرجان يشكل فرصة لربط المشاركين الصم من جميع أنحاء العالم وعرض ثقافة الإمارات العربية المتحدة بطريقة فريدة. وأضاف: 'مجتمع الصم هنا في الإمارات مترابط، لذا فإن لقاء هؤلاء الأشخاص من جميع أنحاء العالم وتعريفهم بثقافة بلدي بلغتنا الخاصة هو أمر مميز.'
وقد أكدت أنشطة مهرجان دبي للصم على مهمته المتمثلة في خلق بيئة خالية من العوائق. وشملت أبرز الأنشطة عرضاً كوميدياً قدمه ممثلون كوميديون من الصم، وجولات إرشادية إلى إكسبو سيتي دبي ونادي سولونا بيتش، ورحلات سفاري في الصحراء - كل ذلك بقيادة مرشدين من الصم مع توفير دعم كامل لسهولة الوصول.
بالإضافة إلى ذلك، عرض المهرجان المنتجات والخدمات التي يقدمها رواد الأعمال الصم، مما يساهم في تمكين المجتمع وتعزيز الإدماج الاقتصادي.
وقد استقطب الحدث مشاركين من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة واليابان، حيث جلب كل منهم لغة الإشارة الخاصة به ومنظوره الثقافي الفريد. ووصف فيتالي بوتابشوك، المؤسس المشارك لشركة أمسان للسياحة والذي يعاني من الصمم الجزئي، الإلهام وراء هذه المبادرة قائلاً: 'لقد دفعتني التحديات التي واجهتها في السفر الميسر إلى ابتكار حلول. ويظهر هذا المهرجان أن الشمولية في السياحة ليست ممكنة فحسب، بل إنها تحولية'.
وتتضمن أعمال شركة أمسان الرائدة تطوير تطبيق جوال مصمم خصيصاً للمسافرين الصم، ويشمل ترجمات بلغة الإشارة لبرامج السفر ووثائق السفر والإرشادات. وقال فيتالي: 'هذا التطبيق يغير قواعد اللعبة، فهو يتيح للأفراد الصم القدرة على السفر بثقة واستقلالية'.
ويتماشى المهرجان مع رؤية دبي لتصبح وجهة عالمية شاملة، بدعم من مبادرات مثل فريق دبي للسفر والسياحة الميسرة. وأكد أوليكساندر كولتسوف، الرئيس التنفيذي لشركة أمسان للسياحة الميسرة، على التأثير الأوسع نطاقاً، قائلاً: 'مع وجود أكثر من 11 مليون فرد يعانون من فقدان السمع في الشرق الأوسط وحده، فإن هذا المهرجان يمثل حركة في الوقت المناسب نحو خلق عالم أكثر شمولاً. لا يتعلق الأمر بالسياحة فحسب؛ بل يتعلق بسد الفجوات الثقافية والاحتفال بموهبة مجتمع الصم ووحدته'.