محمد (الثاني من اليسار)
محمد (الثاني من اليسار)

"رادو محمد": 50 عاماً من الإنتماء والعمل في دبي

أتيت بحثاً عن لقمة العيش واليوم، يتمتع أطفالي الثلاثة بمؤهلات عالية ويعيشون حياة ناجحة مع عائلاتهم
تاريخ النشر

احتفل المغترب الهندي "ك.ب محمد"، البالغ من العمر 72 عاماً، بحدث بارز في حياته في الشهر الجاري، حيث مر 50 عاماً على إقامته في دبي التي سماها وطنه منذ وصوله للبلاد لأول مرة في 19 أكتوبر 1974.

وجاء محمد، وهو في الثانية والعشرين من عمره، من مسقط رأسه في كانور، بولاية كيرالا، بتأشيرة قدمها له عمه للعمل في "اورينتال ستورز" Oriental Stores، الموزع الوحيد السابق لساعات رادو، وعمل بالمحل لمدة 43 عاماً، وحصل على لقب "رادو محمد".

وقال محمد لصحيفة خليج تايمز: "عندما جئت للبلاد، لم يكن هناك ميناء بحري، بل مجرد مرفأ. ولم تكن دبي تتمتع بالبنية التحتية المناسبة، ولكن في كل عقد من الزمان، سجلت المدينة نمواً غير مسبوق وتركت بصمتها على العالم".

بدأ محمد عمله كبائع في متاجر "أورينتال ستورز"، وسرعان ما اكتسب شهرة واسعة بفضل معرفته بساعات رادو وسلوكه الودود. وكان صاحب عمله محمد عبد الله الموسى يقدر موثوقيته، وسرعان ما بدأ العملاء من جميع أنحاء العالم ــ بما في ذلك أفراد العائلة الحاكمة ــ يطلبون خدماتهم منه هو بالتحديد.

وقال محمد "كان هناك عملاء من كندا وألمانيا يأتون بحثاً عني لأن أصدقائهم في دبي أخبروهم بخبرتي"، مما أكسبه لقب "رادو محمد". وعلى مر السنين، تم تكريمه عدة مرات لالتزامه، وقدمت له الشركة العديد من الجوائز مثل الساعات والجوائز النقدية.

استقبال التغيير

وفي عام 1994، بدأ المتجر في استخدام أجهزة الكمبيوتر، وفي سن 43 عاماً، بدأ محمد يتعلم تكنولوجيا جديدة. يتذكر الأمر قائلاً: "حتى ذلك الحين، كنا نقوم بتسجيل المعاملات التي تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الدراهم يدوياً. لقد مثّل ذلك تحولاً كبيراً، لكنني تعلمت الأمر بسرعة".

ورغم التغيرات التي طرأت على التكنولوجيا والأعمال، ظل التزام محمد تجاه الأسرة ثابتاً. تزوج في عام 1980 وانتقل مع زوجته إلى شقة متواضعة من غرفتي نوم في منطقة المصلى في بر دبي، حيث ربيا أطفالهما واستضافا العديد من الأقارب الباحثين عن عمل في دبي.

زوجته عائشة محمد، تقول: "في وقت ما، كان يعيش معنا 22 فرداً من العائلة. لكن تلك كانت من أفضل سنوات حياتنا، حيث كنا نعيش كعائلة واحدة كبيرة وسعيدة. كنا نتقاسم أفراحنا وأحزاننا ونساعد بعضنا البعض على النجاح".

رمز الترابط

ابنه فهد، الذي يشغل الآن منصب مدير العمليات في شركة خدمات رائدة، يتذكر باعتزاز الفترة التي قضاها في بر دبي، ويقول: "لم يكن منزلنا مجرد مكان للعيش فيه - بل كان رمزاً للترابط. كل مساء، بعد إدارة المتجر، كان والدي يعود إلى المنزل، وكنا ننتظر بفارغ الصبر لنخبره عن يومنا"، وأضاف: "كان يوم الخميس مميزاً - كنا نجتمع حول التلفزيون لمشاهدة فيلم هندي على القناة 33 (دبي ون الآن). تلك اللحظات البسيطة من الترابط الأسري، حول شيء بسيط مثل فيلم، هي بعض من أعز الذكريات لدي".

ابنه الثاني فياض، رئيس حلول إدارة المرافق في إحدى الشركات التي تتخذ من دبي مقراً لها، أكد هذه المشاعر، مستذكراً شعور الانتماء العميق للمجتمع الذي عززته عائلتهما في بر دبي. وقال فياض: "كانت الشقة رقم 18 في بر دبي جزءاً من هويتنا. كان والدي أفضل صديق للجميع في المنطقة. كان دائماً يستمع إلينا أو يقدم يد المساعدة. لقد كان شرفاً لي أن أكون معروفاً بأنني ابن رادو محمد".

وأضاف فهد: "والدنا رجل نزيه، وكان يتخذ القرارات دائماً بعدل، وغرس فينا الشعور بالمسؤولية والالتزام".

"إنه يفرض احترامه ليس بالقوة، بل بحضوره وقيادته الأخلاقية. كرمه لا حدود له، فهو معطاء للآخرين دائماً، سواء كان ذلك من خلال وقته أو نصيحته أو موارده."

وتحدثت ابنة محمد، فهيمة، المتخصصة في التأشيرات، عن البصمة الدائمة لوالدها، فقالت: "لقد كان لحب والدي وتفانيه تجاه أسرته أعمق أثر عليّ. لقد بذل كل ما في وسعه لتأمين رعايتنا وحبنا. إن قصة حياته هي مصدر إلهامي".

قلب شاكر دائماً

محمد الذي تقاعد منذ ثماني سنوات، يقضي وقته الآن مع زوجته التي تعمل كعاملة اجتماعية في المركز الثقافي الإسلامي في كيرالا، وأبنائهما الثلاثة وخمسة أحفاد.

ورغم أن محمد عايش التطور المذهل الذي شهدته دبي، فإن ذكريات الأوقات البسيطة هي التي تظل عالقة في ذهنه أكثر من غيرها. وأشار إلى أن "الحياة كانت أبطأ في ذلك الوقت، لكن الروابط مع العائلة والأصدقاء كانت أقوى".

"اليوم، على الرغم من أننا نتواصل دائماً عبر الهواتف المحمولة إلا أننا أصبحنا بعيدين من حيث العاطفة. في الماضي، إذا مرض شخص ما، كنا نسارع إلى جانبه. اليوم، بالكاد لدينا الوقت لرفع الهاتف والاطمئنان على الناس."

ويتذكر محمد السنوات الخمسين التي قضاها في دبي، ويشعر بالامتنان للفرص التي وفرتها له الإمارات العربية المتحدة. ويقول: "كنت خريج الصف العاشر فقط، وقد أتيت إلى هنا بحثاً عن لقمة العيش. واليوم، يتمتع أطفالي الثلاثة بمؤهلات عالية ويعيشون حياة ناجحة مع عائلاتهم في نفس المدينة. ولا أعتقد أن هذا كان ليحدث لو لم آتي إلى هذه الأرض السحرية".

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com