منزل الحلم أصبح رماد
منزل الحلم أصبح رماد

عام على حرب غزة: وفلسطينيو الإمارات محكومون بالأمل

خلفت الحرب آلاف القتلى وملايين النازحين وأجيالٌ بأكملها تشردت من ديارها
تاريخ النشر

مر عام على اندلاع الحرب في غزة، ولكن بالنسبة للعائلات المشتتة فإن الحزن لا يزال قائماً منذ القنبلة الأولى التي سقطت.

لقد خلف الصراع المسلح المستمر دماراً لا يمكن تصوره - فقد فقدنا أرواحاً، ودمرت منازلنا، وتحولت أحلامنا إلى أنقاض.

بالنسبة للعديد من سكان غزة المقيمين الآن في الإمارات العربية المتحدة، فإن البعد الجسدي عن الصراع لم يخفف من آلامهم؛ بل زاد من شعورهم بالعجز. وبينما هم يحاولون إعادة بناء حياتهم في المنفى، فإنهم يحملون معهم عبء الخسارة، مدركين أن أحبائهم وكل ما عملوا من أجله أصبح الآن مجرد ذكريات.

فقدت كل شيء، بما في ذلك ابني

عصام رجل في سن الثانية والسبعين، بنى حياته بفضل العمل الجاد والعزيمة. كانت مطحنة الدقيق التي يملكها في غزة، والتي تُقدر قيمتها بأكثر من 2.1 مليون دولار، مصدر فخره وشريان الحياة لعائلته. وعلى مدى عقود، لم تكن المطحنة مجرد وسيلة لإعالة أطفاله وأحفاده، بل كانت أيضاً مصدر رزق للعائلات في مجتمعه. وعبّر عصام عن ارتباطه العميق بالمطحنة قائلاً: "كانت هذه المطحنة كل شيء بالنسبة لي. من خلالها، كنت أستطيع رد الجميل لعائلتي ومجتمعي".

ولكن في لحظة واحدة، اختفت المطحنة، ودمرت خلال غارة جوية إسرائيلية. قال عصام لصحيفة الخليج تايمز: "رأيت ذلك على الأخبار. لم أصدق ما حدث. سنوات من العمل الشاق تحولت إلى لا شيء في غضون ثوانٍ". لم يكن منزله بمنأى عن الدمار أيضاً، إذ لقي نفس المصير. كانت تُقدر قيمته بحوالي 200 ألف دولار. وعلّق عصام بأسى: "لقد بنيت هذا المنزل بيدي. كل لبنة فيه تحمل قصة، وكل ركن يحمل ذكرى".

بالنسبة لعصام، فإن تدمير عمله ومنزله لا يُقارن بالخسارة المؤلمة التي تمثلت في فقدان ابنه الأصغر، سيف عصام، الذي كان يبلغ من العمر 27 عاماً فقط. كان سيف متطوعاً في منظمة (ورلد سنترال كيتشن) World Central Kitchen (WCK)، وهي منظمة جاءت إلى غزة لإطعام المحتاجين الذين يكافحون وسط الفوضى والدمار. ورغم المعاناة التي كانت تعيشها عائلته، كرّس سيف حياته لمساعدة الآخرين، متجاوزاً كل التحديات والصعوبات التي كانت تواجهم.

سيف عصام
سيف عصام

وقال عصام "كان يقود سيارة موظفي منظمة (ورلد سنترال كيتشن) لتوصيل الوجبات عندما قصفت قوات الدفاع الإسرائيلية سيارته الجيب، وقُتل هو وأربعة متطوعين أجانب آخرين على الفور".

لقد رحل ابنه الذي كان يعمل لدعم الآخرين. وأضاف عصام: "كان قلب سيف طيباً. لقد فقد حياته وهو يحاول مساعدة شعبه، حتى عندما كنا نكافح نحن أنفسنا. لقد أراد أن يحدث فرقاً. لقد مات وهو يحدِث هذا الفرق".

إن الألم الذي يشعر به عصام بسبب فقدان ابنه الأصغر، آخر صلة له بالمستقبل، هو أمر يطارده كل يوم. يقول عصام: "عمري 72 عاماً. لقد فقدت منزلي وعملي والآن فقدت ابني. لا أعرف كيف أعيد بناء حياتي. كيف يمكنك إعادة البناء بعد أن فقدت سبب وجودك؟"

أب جديد ليس لديه منزل لطفله

كان عبد الله مصطفى، البالغ من العمر 26 عاماً، مليئاً بالأمل في المستقبل. تزوج في عام 2020، وبعد فترة وجيزة افتتح سوبر ماركت صغيرة في غزة. كان من المفترض أن يكون المتجر أساساً للاستقرار المالي لعائلته، خاصة مع اقتراب ولادة طفلهما الأول.

"عندما فتحت ذلك السوبر ماركت، تخيلت أنه سيكون الوسيلة التي سأعيل بها أسرتي لبقية حياتنا"، هكذا قال عبد الله، متحدثاً عن حلمه الذي تحطم مع اندلاع الحرب. كانت زوجته في مراحل الحمل الأخيرة، ومع سقوط القنابل، لم يفقدوا فقط مصدر رزقهم، بل أيضاً منزلهم. يضيف عبد الله بصوت مفعم بالحزن: "أتذكر أنني كنت أمسك بيد زوجتي، وأنظر إلى الحطام، وأفكر، 'كيف يمكننا إنجاب طفل إلى هذا العالم؟'".

وبعد أسابيع قليلة، وُلد طفلهما، لكن بدلاً من الاحتفال ببداية فصل جديد، أُجبرا على العيش في خيمة مع أقاربه. قال عبد الله لصحيفة الخليج تايمز: "لم يتبق لنا شيء، لا منزل ولا عمل. ومع ذلك، ها نحن ذا، مع طفل يستحق الكثير". وأضاف بحسرة: "أردت أن أمنح طفلي حياة آمنة ومستقبلاً مشرقاً. لكن الآن، بالكاد أستطيع أن أوفر له سقفاً فوق رأسه".

كانت عينا الأب الشاب مثقلتين بعبء المسؤولية التي يشعر بها والخوف مما قد يأتي. قال عبد الله: "لا أعرف كيف سننجو، لكن يتعين عليّ الاستمرار - من أجل زوجتي وطفلي. يتعين عليّ أن أؤمن بأننا سنجد ذات يوم، بطريقة أو بأخرى، طريقة للخروج من هذا".

أم تحزن على فقدان عائلتها بأكملها

بالنسبة لوسام، البالغة من العمر 45 عاماً، خلفت الحرب خسائر فادحة لا تستطيع الكلمات أن تعبر عنها. غادرت غزة في عام 2000 بحثاً عن مستقبل أفضل لأطفالها في الإمارات العربية المتحدة. بعد انفصالها عن زوجها وعيشها بمفردها، ظلت مرتبطة بعائلتها في غزة، حيث كان إخوتها الثلاثة وزوجاتهم وأطفالهم يشكلون جزءاً مهماً من حياتها. قالت وسام: "انتقلت من أجل مستقبل أطفالي، لكن غزة كانت لا تزال موطني. كان إخوتي عالمي".

في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل إخوتها الثلاثة، إلى جانب 18 فرداً آخرين من أفراد الأسرة، في غارة جوية واحدة. وأوضحت وسام: "لقد قرروا البقاء معاً، معتقدين أن شقة واحدة ستكون أكثر أماناً. لكنهم كانوا مخطئين. تم قصف الشقة، وأزهقت أرواح 21 شخصاً، هكذا ببساطة. لقد رحل إخوتي وزوجاتهم وأطفالهم وأبناء عمومتهم جميعاً".

ووصفت وسام لحظة سماعها الخبر قائلة: "كنت في العمل عندما تلقيت المكالمة. انهار عالمي. لم أستطع التنفس، ولم أستطع التفكير. كيف يمكنك أن تحزن على ثلاثة إخوة وثلاث عائلات في وقت واحد؟". وأضافت: "أنا هنا، بأمان، لكنني أشعر بأنني بعيدة عن كل شيء. إن الشعور بالذنب بسبب البعد لا يُطاق".

تواجه وسام الآن مهمة لا يمكن تصورها وهي أن تعيش حياة حيث لم يعد الأشخاص الذين أحبتهم موجودين. "لا أعرف كيف أستمر. لقد رحلت عائلتي، وأنا هنا وحيدة. ما هو نوع المستقبل الذي بقي لي؟"

حياة أصبحت خراباً، لكنها متمسكة بالأمل

بالنسبة لهديل بخيت، فإن كونها واحدة من القلائل المحظوظين بما يكفي للهروب من غزة يجلب الراحة والشعور العميق بالذنب. تقول: "لقد غادرت، لكن منزلي وحياتي وكل ما بنيته قد ذهب". لقد دُمر منزلها وخططها ومستقبلها بالكامل قبل أن تتاح لها الفرصة لتوديعهم.

كانت هديل تحلم ببناء شيء ذي معنى، وخلق حياة مليئة بالحب والفرح. ولكن الآن، كل ما لديها هو ذكريات عما كان يمكن أن يحدث. وقالت: "لم أعد أتعرف على حياتي بعد الآن. كل ما عملت من أجله قد ذهب. كيف يمكنك أن تبدأ من جديد عندما انهار أساس حياتك؟"

ورغم كل شيء، لا تزال هديل متمسكة بأملٍ هش. تقول: "يتعين علي أن أؤمن بأنني سأتمكن ذات يوم، بطريقة أو بأخرى، من إعادة بناء حياتي. ربما لن تكون الحياة التي خططت لها، بل شيء جديد. هذا هو الشيء الوحيد الذي يجعلني أستمر".

آمال وأحلام

لقد خلفت الحرب آلاف القتلى وملايين النازحين، وأجيالاً بأكملها مشردة من ديارها. يواجه عصام وعبد الله ووسام وهديل مستقبلاً غامضاً، لكنهم مرتبطون بخيط مشترك: قدرتهم على الصمود وحبهم الثابت لوطنهم. على الرغم من التحديات والصعوبات التي يواجهونها، تبقى آمالهم وأحلامهم متجذرة في إرثهم الثقافي وعزيمتهم على تجاوز الأزمات.

إن الحزن الذي يحمله هؤلاء الناس هائل، ولكن الأمل كذلك. إنه تذكير بأن الروح الإنسانية لا تزال باقية حتى في مواجهة الدمار. وبالنسبة لسكان غزة الذين يعيشون الآن في الإمارات العربية المتحدة، فإن المسافة من الوطن هي نعمة مريرة. إنهم آمنون، لكن قلوبهم لا تزال في غزة، مع الأسر التي فقدوها والحياة التي لن يتمكنوا أبداً من استعادتها بالكامل.

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com