فلسطينيو الإمارات و"ذنب الناجين" مع استمرار حرب غزة
مع استمرار الحرب في غزة، يعاني العديد من المغتربين الفلسطينيين في الإمارات من عبء عاطفي شديد ومرهق في كثير من الأحيان - وهو شعور الناجي بالذنب.
وبعيداً عن العنف وعدم الاستقرار اللذين يواصلان تدمير وطنهم، يجد الفلسطينيون أنفسهم ممزقين بين راحة حياتهم الجديدة ومعرفة الألم الذي يعاني منه أولئك الذين تركوهم وراءهم. والصراع الداخلي بين العيش في سلام ومعرفة أن أحباءهم يواجهون أهوالاً لا يمكن تصورها خلق صراعاً نفسياً عميقاً يطارد العديد من الفلسطينيين في الخارج.
وأوضحت "ريتا زخور"، أخصائية علم النفس السريري في منصة "نفسي هيلث" للعلاج عبر الإنترنت، هذه الظاهرة باعتبارها شكلاً من أشكال الصراع العاطفي العميق. وقالت زخور: "الشعور بالذنب للاستمتاع بالحياة أو الحلم أو حتى التنفس! هذا الشعور الثقيل الذي يثقل على القلب والعقل هو ما يسمى بذنب الناجي"، مضيفة: "إنها حالة نفسية يشعر بها الشخص بعد النجاة من حدث معين. وهذا ما شعر به كثير من الناس وما زالوا يشعرون به بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023".
وقد شرحت كيف يتجلى هذا الشعور بالذنب. "بالنسبة للبعض، يهمس هذا الشعور بأسئلة مؤلمة: لماذا نجوت؟ كيف يمكنني الاستمرار في العيش بشكل طبيعي بينما مات آخرون؟ من المؤسف أن بعض الناس ما زالوا في معركة مستمرة مع عواطفهم، ممزقين بين الشعور بالامتنان لحياتهم والشعور بالذنب والألم تجاه الآخرين".
وبحسب زخور، فإن الشعور بالذنب الناجم عن النجاة لا يصيب فقط أولئك الذين نجوا بأعجوبة من أحداث صادمة مثل الحروب أو الحوادث. بل قد يؤثر أيضاً على الأشخاص البعيدين كل البعد عن التأثير المباشر ولكنهم يشعرون بتعاطف قوي مع أولئك الذين يعانون، خاصة عندما يكون هناك ارتباط ثقافي أو عائلي عميق. وبالنسبة للعديد من الفلسطينيين في الإمارات العربية المتحدة، فإن التعرض المستمر للأخبار من الوطن يؤدي إلى تفاقم شعورهم بالذنب، مما يجعلهم يكافحون من أجل امتيازهم وعدم قدرتهم على المساعدة بطرق أكثر واقعية.
العيش في عالمين
ريم، مهاجرة فلسطينية تعيش في الإمارات ، تصف صراعها في الموازنة بين حياتها بين عالمين.
"كل يوم أشعر فيه وكأنني أخوض صراعًا بين عالمين. هنا في الإمارات، أستيقظ على سرير مريح، وأذهب إلى وظيفة مستقرة، وأتمكن من الوصول إلى كل ما أحتاج إليه. لكن عقلي دائماً في مكان آخر - في غزة"، قالت لصحيفة خليج تايمز. "الأخبار، والمكالمات الهاتفية، ورسائل الواتس آب - كل هذا يجذبني إلى الواقع الذي تواجهه عائلتي، وأشعر وكأنني أعيش حياتين".
تتحدث عن الشعور بالذنب الذي يلاحقها في كل تصرف تقوم به. "كيف يمكنني أن أكون هنا، أعيش على هذا النحو، بينما أحبائي يعيشون في خوف دائم ويحاولون البقاء على قيد الحياة؟ إن الشعور بالذنب خانق. أتذكر اليوم الذي غادرت فيه ــ كان مزيجاً من الراحة والألم. أخبرتني عائلتي أن أرحل، وأن أغتنم هذه الفرصة من أجل حياة أفضل. ولكن في أعماقي، أشعر وكأنني هربت".
وتروي دعاء، وهي مهاجرة فلسطينية أخرى، تجربة مماثلة. وتقول: "أشعر وكأنني أعيش في فقاعة، بينما يحاصرني من أحبهم في كابوس لا نهاية له. أستيقظ هنا في الإمارات، وأجد المكان هادئاً، ولكن في اللحظة التي أتحقق فيها من هاتفي، ينقبض قلبي. فكل إشعار يجعلني أشعر بالذعر - هل كل شيء على ما يرام في الوطن؟".
وتشرح دعاء شعورها الدائم بالذنب لأنها تعيش في أمان. وتقول: "لم تسنح الفرصة لعائلتي للمغادرة. أما أنا فقد سنحت لي الفرصة. وأحمل هذا الشعور بالذنب معي كل يوم. وفي بعض الأحيان، لا أستطيع حتى الاستمتاع بوجبة بسيطة لأنني أفكر: كيف يمكنني أن أتناول هذا الطعام بينما يقتصد أبناء عمومتي في الطعام، بينما لا يحصل الأطفال في غزة على ما يكفيهم؟"
وتعاني ليلى، وهي مهاجرة أخرى، من الشعور بالامتياز. وتقول: "هناك أيام أنظر فيها حولي وأشعر بالاشمئزاز من نفسي. أنا هنا أعيش في سلام وراحة، لكن عائلتي تستيقظ كل يوم على أصوات القنابل. أنا المحظوظة، أليس كذلك؟ أنا من خرجت. ولكن في بعض الأحيان، أشعر وكأن هذا الحظ لعنة".
"الألم يبقى ثابتا"
بالنسبة للفلسطينيين في الإمارات ، تختلف آليات التكيف، لكن الألم يظل مستمراً. لجأت ريم إلى العلاج، لكن عملية الشفاء بطيئة. "أرى معالجاً نفسياً، ورغم أن ذلك يساعدني في معالجة بعض المشاعر، إلا أنه لا يزيل الشعور بالذنب. لقد تعلمت تقسيم العمل إلى أجزاء ـ خلال النهار، أركز على العمل، ولكن في الليل، يكون الأمر أصعب".
من ناحية أخرى، انخرطت ليلى في الدفاع عن حقوق الناس، ونشر الأخبار، ورفع الوعي بشأن معاناة أهل غزة. ومع ذلك، فإن هذه الجهود تبدو غير كافية. تقول ليلى: "أكتب رسائل إلكترونية، وأشارك الأخبار، وأتبرع بالمال ــ ولكن في بعض الأحيان أشعر وكأن كل هذا ليس كافيا".
وأكدت زخور على أهمية معالجة هذه المشاعر بشكل بناء. واقترحت استراتيجيات مثل الاعتراف بالعواطف، والسعي للحصول على الدعم من الأسرة أو المعالجين، وإيجاد طرق مفيدة للمساعدة، مثل التطوع أو الدفاع عن القضية. وقالت: "من المهم للغاية أن نداوي أنفسنا قدر الإمكان لتقليل التأثيرات التي تنتقل عبر الأجيال من شعور الناجي بالذنب. دعونا نحاول استبدال شعور الناجي الجماعي بالذنب بالأمل الجماعي، لأن الأمل لا يموت أبدًا".
بالنسبة للمغتربين الفلسطينيين في الإمارات العربية المتحدة، تستمر المعركة مع الشعور بالذنب الذي ينتابهم نتيجة للنجاة من الحرب. ورغم أنهم بعيدون كل البعد عن الصراع، فإن الندوب العاطفية لا تزال باقية، مما يجعل العديد منهم ممزقين بين عالمين ــ عالم من الأمان، وعالم من المعاناة.