الشاشات تأثير سلبي على تفاعل الأطفال الاجتماعي
الشاشات تأثير سلبي على تفاعل الأطفال الاجتماعي

متلازمة"الوجه الجامد"وإفراط الأطفال في استخدام الشاشات

العديد من أطفال متلازمة "الوجه الجامد" يتحسنون بشكل ملحوظ عندما يتم تقليل وقت استخدامهم للشاشات
تاريخ النشر

مع ازدياد الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات، ظهرت حالة جديدة تسمى متلازمة "الوجه الجامد"، وهي مصطلح مستوحى من تجربة نفسية قديمة. يُستخدم الآن لوصف الأطفال الذين يُظهرون تعبيرات وجه أقل واستجابات عاطفية ضعيفة، ويُعزى هذا التأثير إلى الإفراط في استخدام الشاشات.

فهل يمكن أن يؤثر هذا الاعتماد المتزايد على الأجهزة الرقمية على التطور الاجتماعي والعاطفي للأطفال؟

عرّف الدكتور "بونيت وادوا"، طبيب الأطفال في مستشفى "برايم الطبي"، متلازمة "الوجه الجامد" على أنها حالة تقل فيها استجابة الأطفال للإشارات الاجتماعية في الحياة الواقعية، بسبب الوقت الطويل الذي يقضونه أمام الشاشات. يعود المصطلح إلى تجربة "الوجه الجامد" التي أجريت في السبعينيات، حيث تبين أن الأطفال يشعرون بالضيق عندما يتوقف مقدمو الرعاية فجأة عن التعبير أثناء التفاعل معهم.

وفي السياق الحالي، يرى بعض الخبراء أن تأثيراً مشابهاً قد يحدث لدى الأطفال الذين يتعرضون بشكل مفرط للأجهزة الرقمية، مما يؤدي إلى تقليل التفاعلات المباشرة مع مقدمي الرعاية.

وأشار الدكتور "وادوا" إلى أن "أدمغة الأطفال تتطور استجابةً لبيئتهم. ومن دون تفاعل كافٍ مع العالم الحقيقي، قد تتأثر قدرتهم على التعرف على العواطف، والحفاظ على الاتصال البصري، أو الانخراط في السلوك الاجتماعي."

يعتقد الدكتور أحمد عبيد، أخصائي الأعصاب في مستشفى "ميدكير"، أن آثار التعرض المفرط للشاشات على أدمغة الأطفال مقلقة. وقال: "الأطفال الذين يقضون وقتاً طويلاً أمام الشاشات، خاصةً خلال مراحل التطور الحرجة، قد يُظهرون تأخراً في المهارات الاجتماعية والعاطفية. يشمل ذلك انخفاض مستوى التعاطف لديهم، وصعوبة في التعرف على العواطف، وحتى مشكلات سلوكية."

الدكتور أحمد عبيد
الدكتور أحمد عبيد

وفقاً للدكتور عبيد، قد تؤثر الشاشات على أجزاء الدماغ التي تتحكم في الانتباه وتنظيم العواطف. وأضاف: "ما نراه في بعض الأطفال يشبه ما لوحظ في تجربة "الوجه الجامد" الأصلية: عزلة، وإحباط، ونقص في التفاعل العاطفي."

التعرف على العلامات

يجب على الآباء أن يكونوا على دراية بالأعراض المرتبطة بمتلازمة "الوجه الجامد". اقترح الدكتور "وادوا" البحث عن علامات مثل تجنب الطفل للتواصل البصري، وقلة الاهتمام بالتفاعلات الاجتماعية، والاعتماد المفرط على الشاشات للحصول على التحفيز. وقال: "قد يبدو هؤلاء الأطفال غير مبالين بمحيطهم أو يواجهون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم".

الدكتور بونيت وادوا
الدكتور بونيت وادوا

ورغم تزايد المخاوف، قال الدكتور عبيد إن هذه السلوكيات قد لا تكون دائمة. وأضاف: "الخبر السار هو أن العديد من الأطفال الذين تظهر عليهم علامات متلازمة "الوجه الجامد" يتحسنون بشكل ملحوظ عندما يتم تقليل وقت استخدامهم للشاشات، ويتم تشجيعهم على الانخراط في تفاعلات اجتماعية حقيقية".

موازنة وقت الشاشة والتفاعلات

إذن، ما مقدار الوقت الذي يمكن أن نعتبره أكثر من اللازم أمام الشاشات؟ نصح الدكتور "وادوا" بأن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين يجب ألا يقضوا أي وقت أمام الشاشات على الإطلاق. وأضاف: "هذه فترة حرجة لنمو الدماغ، ويجب أن ينصب التركيز على اللعب البدني والتفاعلات في العالم الحقيقي". بالنسبة للأطفال الأكبر سناً، فإن الحد من وقت الشاشات إلى ساعتين يومياً هو مفتاح لضمان عدم تعطيل تطورهم الاجتماعي والعاطفي.

وأوصى الدكتور عبيد الآباء بوضع حدود صارمة لوقت استخدام الشاشات وإعطاء الأولوية للأنشطة التي تعزز التفاعل، مثل تناول الوجبات العائلية واللعب في الهواء الطلق والمحادثات المباشرة. وقال: "يتعلم الأطفال بشكل أفضل عندما يتفاعلون مع بيئتهم والأشخاص من حولهم. أما الشاشات، رغم أنها قد تكون تعليمية في بعض الأحيان، لا يمكنها أن تحل محل ثراء هذه التفاعلات".

الجدل حول التأثيرات على المدى البعيد

وفي حين يخشى بعض الخبراء من العواقب على المدى البعيد المترتبة على الإفراط في استخدام الشاشات، لا يزال آخرون متحفظين بشأن استخلاص استنتاجات مباشرة. ويقول الدكتور عبيد: "لا يزال البحث في بدايته. نعلم أن الإفراط في استخدام الشاشات يؤثر على الأطفال، ولكن مدى تأثيره على نموهم على المدى الطويل يحتاج إلى مزيد من الدراسات".

في الوقت الحالي، يتفق كل من الدكتور "وادوا" والدكتور عبيد على أمر واحد: تعزيز الاستخدام المتوازن للشاشات وضمان حصول الأطفال على الكثير من الفرص للتفاعل في العالم الحقيقي أمر بالغ الأهمية لرفاهيتهم بشكل عام. يقول الدكتور "وادوا": "في النهاية، يتعلق الأمر بتحقيق التوازن وضمان نمو أدمغة الأطفال في بيئة تعزز التفاعلات العاطفية والاجتماعية".

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com