من الإمارات إلى غزة: رحلة عائلة فلسطينية تتحول إلى كابوس
بالنسبة للعديد من الفلسطينيين المقيمين في الإمارات، فإن الحنين إلى وطنهم غالباً ما يجذبهم إلى العودة على الرغم من التحديات العديدة التي تمثلها الحياة في غزة.
وبالنسبة لإحدى العائلات، كان قرار مغادرة حياتهم المريحة في الإمارات والعودة إلى غزة نابعاً من شعور عميق بالانتماء إلى هويتهم. ومع ذلك، تحول حلمهم ببناء حياة في وطنهم إلى كابوس وسط حرب السابع من أكتوبر المستمرة منذ عام تقريباً.
بدأت رحلة العائلة (لم يذكر اسم العائلة لأسباب أمنية) عندما انتقلوا من الإمارات إلى غزة بعد الزواج. وشعر الزوجان برغبة قوية في تربية أبنائهم في وطنهم وسط أهلهم. وأوضحت الأم: "أردنا أن نربيهم في وطنهم وأن يعيشوا في المكان الذي ينتمون إليه".
ولأنها ولدت ونشأت في الإمارات، فهي تعدها بمثابة وطنها الثاني، وأقرت بسهولة الحياة في البلاد مقارنة بغزة. وتقول: "عندما انتقلنا إلى غزة، كنا نعلم أننا سنواجه صعوبات بسبب الاحتلال والحصار المفروض على المكان، ولكن كان هذا القرار صائباً بكل تأكيد".
وقد قوبل قرارهم بالدهشة والقلق من جانب الأسرة والأصدقاء، الذين تساءلوا عن سبب اختيار أي شخص للعيش في ما وصف بأنه "سجن في الهواء الطلق". ومع ذلك، كان التزام الأسرة بالعيش في موطنهم واضحاً. وأضافت: "لقد أعجبوا برغبتنا في العيش في أرضنا".
عندما اندلعت حرب السابع من أكتوبر، لم يكن من الواضح على الفور مدى التغيير الجذري الذي ستحدثه الحياة. تقول: "كنا نعتقد أن هذه الحرب ستستمر بضعة أشهر، مثل كل الحروب الأخرى التي خضناها. ولكن الأمر مختلف بالتأكيد هذه المرة؛ إنها إبادة جماعية. لقد فقدنا منزلنا وأرضنا وأعمالنا وأسرتنا".
بالنسبة للعائلة التي لا تزال مقيمة في غزة، فإن شدة الحرب الحالية ومدتها جلبت صعوبات لا يمكن تصورها في حياتهم اليومية.
وتقول وهي تصف وجودهم في غزة حالياً: "ليس لدينا حياة، هذا كل ما أستطيع قوله. نحن نعيش في خيمة؛ بالكاد نستطيع العثور على الطعام بسبب قلته، وليس لدينا حمام خاص بنا، مع أن ذلك حق أساسي من حقوق الإنسان". لقد أدى النزوح والحرمان إلى محو مظهر الحياة الطبيعية، مما جعل البقاء على قيد الحياة هو همهم الأساسي.
كانت إحدى أكثر التجارب المروعة التي مرت بها الأسرة هي إخلاء منزلهم، وهو المكان الذي أمضوا 21 عاماً في بنائه. وقالت: "إنه ليس مجرد منزل؛ إنه المكان الذي ننتمي إليه. لقد صنعنا ذكريات هناك؛ وتزوجت ابنتنا هناك". إن خسارة منزلهم ليست مجرد خسارة لهيكل مادي، بل خسارة لعمر كامل من الذكريات والآمال.
لقد كانت الخسائر النفسية التي خلفتها الحرب عميقة للغاية. تقول: "لقد فقدنا الأمل جميعاً. نريد جميعاً أن نموت وينتهي الأمر لأن الحرب لا تبدو وكأنها ستنتهي قريباً". لقد تدهورت الصحة النفسية للعائلة إلى الحد الذي جعل فكرة عدم الاستيقاظ لمواجهة يوم آخر من المعاناة تبدو أكثر احتمالاً. تقول: "أضع أطفالي في حضني كل ليلة، وآمل ألا نستيقظ جميعاً ونموت معاً".
ورغم تلقيهم بعض الدعم النفسي والمالي من أقاربهم في الإمارات، إلا أن المعاناة لا تزال هائلة. وأضافت: "أخواتي اللواتي يعشن حالياً في الإمارات يبذلن قصارى جهدهن؛ ويقدمن لنا الدعم المالي والنفسي. إنهن يبذلن قصارى جهدهن... ولكنهن لا يدركن حجم المعاناة التي نمر بها".
"نحن نستحق أن نعيش"
وعندما سُئلت عما تتمنى أن يفهمه المزيد من الناس عن الحياة في غزة أثناء الحرب، كانت إجابتها بسيطة ولكنها قوية: "نحن نستحق أن نعيش. نحن نستحق الحد الأدنى من الأمان والغذاء والخصوصية".
ورغم الوضع المزري، يستطيعون الصمود معتمدين على إيمانهم بالله. وتؤكد: "الله معنا، وسيساعدنا". وهذا الإيمان هو الذي يبقيهم مستمرين في وقت أصبح فيه التشبث بالأمل أمراً نادراً.
وتتفق شقيقات الأم على أن قصة العائلة هي تذكير مؤثر بالتكلفة الإنسانية للحرب، والتأثير العميق على الأفراد الذين، في سعيهم للحصول على الهوية والانتماء، يجدون أنفسهم عالقين في مرمى النيران المتبادلة في صراع يبدو أنه لا نهاية له في الأفق.