يزن اليواب ..حلم يتحقق
يزن اليواب ..حلم يتحقق

يزن البواب الفلسطيني من اللجوء إلى المجد الرياضي

نريد تمثيل فلسطين بأفضل طريقة ممكنة إنها لحظة عظيمة.
تاريخ النشر

عندما بدأت المرحلة الأخيرة من محادثتنا عبر مكالمة الفيديو عبر تطبيق "زوم"، ابتسم لي "يزن البواب" مرة أخرى ثم توقف مؤقتاً معتذراً فجأة ، أراد أن يريني شيئاً عزيزاً على قلبه وهو بطاقة اعتماده في أولمبياد باريس التي تحمل اسمه وصورته وجنسيته.

قال وهو يرفع البطاقة عالياً ويقربها من الكاميرا: "ها هي إذن، بطاقة اعتمادي. لا يمكنك التقاط صورة لهذا، كما تعلم، هذا غير مسموح به. لكنني أريدك أن تراها"، ابتسم مرة أخرى.

عندها، سمح لي هذا السباح البالغ من العمر 24 عاماً بإلقاء نظرة خاطفة على عالمه بأكمله مع والده، رشاد البواب، باعتباره الشخص الذي فعل كل شيئ حتى يتمكن ابنه من أن يحقق حلمه الكبير ليصبح رياضياً أوليمبياً.

غادر رشاد فلسطين هرباً من دائرة عدم اليقين والفقر التي لا نهاية لها وبدأ حياة جديدة كلاجئ في إيطاليا حيث عمل كبائع متجول. إنها قصة مذهلة عن رجل من بلد مزقته الحرب ويستمر في تحدي صعاب الحياة.

أصبح رشاد الآن رجل أعمال ناجح في دبي يعمل في تجارة الأثاث، كما ساعد يزن في تأسيس مشروعه الخاص ويوجه جزء كبير من ثروته إلى طموحاته في السباحة.

ابتسم يزن مرة أخرى وقال: "ليس لدى اللجنة الأولمبية (في فلسطين) أموال، لذا علينا أن نساعد أنفسنا".

هذه الرحلة الرياضية الممولة ذاتياً جعلت يزن على وشك أن يصبح ثاني سباح فلسطيني يسبح في دورتين أولمبيتين متتاليتين.

خلال حديثنا الصريح، أخبرنا يزن بأنه ليس مرشحاً للفوز بميدالية في سباق 200 متر ظهراً في باريس. لكن قصته لا تتعلق بالأرقام والميداليات، بل تتعلق بتواجده في الألعاب الأوليمبية، أضخم الأحداث الرياضية على مستوى العالم، ليكون سفيراً لبلد فقد فيه الآلاف من الناس حياتهم، بما في ذلك الرياضيون والحكام والمدربون، في حرب وحشية.

وفي خضم كل ذلك، وصل يزن، وهو أيضاً مهندس طيران، إلى باريس حيث من المرجح أن يكون حامل علم الفريق الرياضي الفلسطيني المكون من ستة أعضاء في حفل الافتتاح يوم الجمعة.

يزن ..عين على مستقبل مجهول
يزن ..عين على مستقبل مجهول

مقتطفات من المقابلة:

أنت على وشك تحقيق حلمك الأولمبي مرة أخرى...

نعم، يوجد منا سباحان فقط في فريق فلسطين، أنا وفاليري (طرازي) فقط، وهي مقيمة في الولايات المتحدة. لذلك، كنا نتدرب هنا (في باريس) لأنه كما تعلمون لا يوجد مسابح في فلسطين، وبما أنني أعيش في دبي، فإن الأمر أسهل بالنسبة لي لأن دبي لديها أفضل مسابح في العالم.

هل ولدت في دبي؟

لقد ولدت في المملكة العربية السعودية، لكني عشت هناك لمدة عامين فقط وقضيت بقية حياتي في دبي. لقد ذهبت أيضاً إلى كندا للدراسة، ولكنني أعيش الآن في دبي.

هل كلا والديك من فلسطين؟

نعم، لكن والدي أيضاً عاشا في إيطاليا لفترة طويلة، لذلك حصلا على الجنسية الإيطالية أيضاً.

أخبرنا كيف جذبتك السباحة رغم أنك من الشرق الأوسط حيث يرغب كل طفل تقريباً في لعب كرة القدم في أي مكان

رحلتي مع السباحة هي في الواقع ليست قصتي، بل قصة والدي، كان ذلك هو حلمه. كان والدي لاجئاً (في إيطاليا) وغادر فلسطين عندما كان صغيراً هرباً من الفقر. أراد أن يحصل على التعليم فذهب إلى إحدى الجامعات في إيطاليا. لم يكن يتحدث الإيطالية، لكنه تعلم ودرس، والآن لديه مصنع للأثاث في دبي. عندما كان طفلاً، كان يحلم دائماً بأن يصبح سباحاً. كما أخبرتك، لقد نجح في أن يتغلب على الفقر وتحققت الكثير من أحلامه، لكن السباحة لم تكن واحدة منها. لقد مررنا بالكثير، لم يكن لدينا أي شيء عندما أتينا إلى دبي، لكن وضعنا تحسن في دبي حيث مُنح والدي الفرصة لكسب المال واستثمار الكثير في حياتي وفي السباحة، لقد كان أمراً أراد أن يفعله بنفسه لكنه لم يستطع، لذا، انتهى بي الأمر بأن أعيش حلمه.

كم كان عمرك عندما دفعك والدك لتصبح سباحاً لأول مرة؟

الأمر المضحك أن والدي لم يكن يعرف السباحة عندما كنت في الرابعة من عمري، ولم يعلمني، بل رمى بي في الماء. كان يريدني فقط أن أصبح سبّاحاً، ربما شعر أن هذا شيء سيغير حياتي. بالطبع، إن كل أب يتمنى ما هو الأفضل لابنه.

لقد عمل والدك بجد لتحظى بكل ما تحتاجه لتصبح سباحاً متميزاً. في ظل هذه الظروف، كيف كانت اللحظة بالنسبة لك عندما تأهلت إلى أولمبياد طوكيو 2020؟

أعتقد أن هذا سؤال صعب لأن والدي كان فخوراً بي دون أن أفعل أي شيء. كان والدي يكن لنا حباً غير مشروط، لقد فعل كل ما يمكنه وعمل بجد من أجلنا. ولكن سأذكر ذلك مرة أخرى، إنه مثل أي والد آخر، وخاصة مثل أولئك الذين ينحدرون من هذا الجزء من العالم. ربما يكون السبب في ذلك هو أننا عاشرنا الفقر ولا يريد الآباء أن يعيش ابنائهم ذلك. لقد عمل والدي بجد من أجلنا طوال حياته، وعندما جاءت تلك اللحظة، عندما وصلت بالفعل إلى دورة الألعاب الأوليمبية في طوكيو، لم يستطع تصديق ذلك، لم يكن يصدق ما تراه عيناه. كانت هذه لحظة مذهلة، لا أعتقد أنه كان يحلم بها حتى. إنه فخور جداً بالطبع، وهذه لحظات يصعب التعبير عنها.

الآن، التأهل إلى باريس وسط ما يحدث في غزة، ربما يعني الكثير بالنسبة لك ولعائلتك...

إن هذه اللحظة (المشاركة في أولمبياد باريس) أكثر أهمية من طوكيو، وخاصة مع ما يحدث الآن في فلسطين. هناك المزيد من العيون على الرياضيين الفلسطينيين لأن الجميع يريدون معرفة المزيد عنا، لديهم أسئلة مثل "كيف تأهلنا؟ من نحن؟ ماذا نفعل؟" لذا في هذه اللحظة، نريد تمثيل فلسطين بأفضل طريقة ممكنة. إنها لحظة عظيمة وأعتقد أن والدي سيكون سعيداً جداً لرؤية ذلك.

في وقت مبكر من هذا العام، رسم المنتخب الفلسطيني لكرة القدم البسمة على وجوه الناس من خلال الوصول إلى الأدوار الإقصائية في كأس آسيا رغم كل الصعاب. لا يمكن للرياضة أن تشفي الجراح، لكنها بالتأكيد قادرة على رفع المعنويات. في الرابعة والعشرين من عمرك، أنت شاب له مسؤولية كبيرة على عاتقه للقيام بشيء يمكن أن يمنح بلاده سبب ابتسام...

إن دوري كلاعب رياضي فلسطيني له جانبان. جانب مؤسف وجانب جميل. لسوء الحظ، يتابعني الناس لأسباب سياسية وإنهم يهتمون بي بسبب السياسة ولا أحد يهتم بالفعل بسباحتي. إنهم لا يهتمون لأوقات سباحتي، ولا ينظرون حتى إلى أرقامي القياسية، لماذا؟ لأنهم يهتمون بما أقوله عن فلسطين. إن الحقيقة هي أنني فزت بالفعل هنا لأنني أرفع العلم وأتلقى التغطية من وسائل الإعلام وأتحدث إلى الناس. الرياضة هي منصة حيث الجميع متساوون، وإن وجودي على هذه المنصة العليا يبين للعالم أننا بشر. نعم، أنا فلسطيني، لكنني إنسان. أنا مثلك، أحب ممارسة الرياضة والنوم وتناول البيتزا، وأحب القيام بأشياء مثل أي شاب آخر. بعض الناس، عندما يسمعون أنك من فلسطين، لديهم تصور خاطئ أننا أشخاص سيئون أو شيء من هذا القبيل. ثم ينظرون إلي، أنا سفير فلسطين. والبعض الآخر عندما يسمعون كلمة فلسطين يتذكرون الأرقام؛ كم عدد الذين ماتوا في الحرب، وكم عدد الأشخاص الذين لا نعرف أسماءهم، وكم عدد الأطفال الذين ماتوا. أنا هنا لأثبت أننا لسنا مجرد أرقام، بل نحن بشر أيضاً.

هذه مشاعر معقدة للغاية بالنسبة لرياضي شاب.

إن الحقيقة القاسية هي أن والدي أخبرني دائماً أن أحداً لن يساعدك، عليك أن تساعد نفسك، عليك أن تكون أفضل رياضي، عليك أن تكون الأفضل في المدرسة، عليك أن تكون الأفضل في مجال الأعمال. كفلسطينيين، علينا أن نبذل قصارى جهدنا لأنه لسوء الحظ، علينا أن نثبت للناس أننا جديرون بالاحترام.

لذا فإن دوري هو أن أكون سفيراً أظهر للعالم أنني قادر على ممارسة الرياضة على الرغم من الظروف التي أمر بها. ليس لدي أي دعم من اللجنة الأولمبية فليس لديهم المال، لذا لا يمكن توقع ذلك منهم، خاصة في مثل هذا الوضع، لذلك أنا أدعم نفسي بأن أعمل هنا في دبي وهي أفضل مكان لي ولعائلتي، نحن نعيش هنا منذ سنوات طويلة حتى الآن وإنها الدولة التي أعطتنا كل شيء.

إذن أنت تعمل أيضاً لتغطية نفقات السباحة الخاصة بك؟

نعم، لدي عمل خاص حيث افتتحت مصنعاً هنا في دبي العام الماضي في جبل علي. إن والدي يعمل في تصنيع وتجارة مقاعد المكاتب وأنا أعمل في تصنيع وتجارة مقاعد الصالة. بالطبع، ساعدني والدي في بدأ المشروع التجاري حيث دعمني بالتواصل مع أفراد يعملون في المجال إذ أنه يعرف الجميع وهو ملم بالسوق. أنا الآن أوسع أعمال والدي بشكل ما وإنها الأمر يجري بشكل رائع.

فيما يتعلق بحدث السباحة الخاص بك في باريس، ما هو هدفك؟ ربما يكون التأهل إلى الدور النهائي أمراً رائعاً ...

لقد حققت البطولة من قبل. في الواقع، لقد فزت مرتين ببطولة الألعاب العربية وكان هذا هو هدفي في السباحة، أن أكون الأفضل في العالم العربي. في باريس، كان ترتيبي في المركز الثلاثين، لست من المنافسين على الميداليات، لكنني لن أكون بعيداً عن أفضل السباحين. أريد أن أبذل قصارى جهدي لتحقيق أفضل وقت لي شخصياً لأثبت أنني قادر على المنافسة ضمن أفضل السباحين في العالم.

عادة ما نسأل الرياضيين الشباب عن أبطالهم الرياضيين. ولكن يبدو أنك استلهمت كل الإلهام من شخص لم يكن رياضياً من قبل، وهو والدك...

نعم، ليس لدي بطل لي في السباحة وبطلي هو والدي. أنا لا أنظر إلى السباحين كأمثال. أنظر إلى الناس بحسب طبيعتهم ومن هم خارج حوض السباحة وما واجهوه في حياتهم. قد ترى شخصاً يعيش حياة طبيعية ويقوم بعمل عادي، ولكن من أين أتى؟ هل تعلم أن والدي كان ينام في الشوارع في إيطاليا. نعم، كان ينام في الشوارع ويبيع الطماطم، ولهذا السبب أقول أن السباحة ليست كل شيء في حياتي. هذا ما تعلمته من والدي، كل ما فعله للوصول إلى هنا، هذا هو ما يلهمني.

الآن لديك فرصة لإلهام الشباب في الألعاب الأولمبية...

إن الألعاب الأولمبية حدث كبير، ففي تاريخ فلسطين، كان هناك ما يقرب من 25 رياضياً فلسطينياً. أن تكون واحداً من 25 أو من بين 10.000 رياضي في عالم يبلغ عدد سكانه ثمانية مليارات نسمة، فهذا أمر لا يصدق. أما بالنسبة لي، يتعلق الأمر بكيفية استخدامي لهذه المنصة لأكون شخصاً أفضل. عندما أمارس السباحة، سيراني الكثير من الناس وربما يراني أطفال غزة ويراني شعب فلسطين ويبتسمون للحظة واحدة بالرغم من الوضع الذي هم فيه.

عندما ذهبت للسباحة في بطولة العالم، أرسل لي العديد من الأطفال رسائل قائلين: "نحن نحبك يا يزن، أنت تسبح من أجل فلسطين، شكراً جزيلاً لك". في نهاية المطاف، أنظر إلى الأمر كأداة أستخدمها لنشر قضية فلسطين ولأكون شخصاً أفضل وأتعلم من الناس. لذا، نعم، إن التواجد في باريس يمثل فرصة رائعة جداً.

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com